* (أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا فكرهتموه) * شبه الله الغيبة بأكل لحم ابن آدم ميتا والعرب تشبه الغيبة بأكل اللحم ثم زاد في تقبيحه أن جعله ميتا لأن الجيفة مستقذرة ويجوز أن يكون ميتا حال من الأخ أو من لحمه وقيل فكرهتموه إخبار عن حالهم بعد التقرير كأنه لما قررهم قال هل يحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا أجابوا فقالوا لا نحب ذلك فقال لهم فكرهتموه وبعد هذا محذوف تقديره فكذلك فاكرهوا الغيبة التي هي تشبهه وحذف هذا لدلالة الكلام عليه وعلى هذا المحذوف يعطف قوله واتقوا الله قاله أبو علي الفارسي وقال الرماني كراهة هذا اللحم يدعو إليها الطبع وكراهة الغيبة يدعو إليها العقل وهو أحق أن يجاب لأنه بصير عالم والطبع أعمى جاهل وقال الزمخشري في هذه الآية مبالغات كثيرة منها الاستفهام الذي معناه التقرير ومنها جعل ما هو في الغاية من الكراهة موصولا بالمحبة ومنها إسناد الفعل إلى أحدكم والإشعار بأن أحد من الأحدين لا يحب ذلك ومنها أنه لم يقتصر على تمثيل الغيبة بأكل لحم الإنسان حتى جعله ميتا ومنها أنه لم يقتصر على تمثيل الغيبة بأكل لحم الانسان حتى جعله أخا له * (يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى) * الذكر والأنثى هنا آدم وزوجه قال ابن عطية ويحتمل أن يريد الجنس كأنه قال إنا خلقنا كل واحد منكم من ذكر وأنثى والأول أظهر وأصح لقوله صلى الله عليه وسلم أنتم من آدم وآدم من التراب ومقصود الآية التسوية بين الناس والمنع مما كانت العرب تفعله من التفاخر بالأحساب والطعن في الأنساب فبين الله أن الكرم والشرف عند الله ليس بالحسب والنسب إنما هو بالتقوى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من أحب أن يكون أكرم الناس فليتق الله وروي أن سبب الآية أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بني بياضة أن يزوجوا أبا هند امرأة منهم فقالوا كيف نزوج بناتنا لموالينا * (وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا) * الشعوب جمع شعب بفتح الشين وهو أعظم من القبيلة وتحته القبيلة ثم البطن ثم الفخذ ثم الفصيلة وهم القرابة الأدنون فمضر وربيعه وأمثالهما شعوبا وقريش قبيلة وبني عبد مناف بطن وبنو هاشم فخذ ويقال بإسكان الخاء فرقا بينه وبين الجارحة وبنو عبد المطلب فصيلة وقيل الشعوب في العجم والقبائل في العرب والأسباط في بني إسرائيل ومعنى لتعارفوا ليعرف بعضكم بعضا * (قالت الأعراب آمنا) * نزلت في بني أسد بن خزيمة وهي قبيلة كانت تجاور المدينة أظهروا الإسلام وكانوا إنما يحبون المغانم وعرض الدنيا فأكذبهم الله في قولهم آمنا وصدقهم لو قالوا أسلمنا وهذا على أن الايمان هو التصديق بالقلب والاسلام هو الانقياد بالنطق بالشهادتين والعمل بالجوارح فالإسلام والإيمان في هذا الموضع متباينان في المعنى وقد يكونان متفقان وقد يكون الاسلام أعم من الايمان فيدخل فيه الايمان حسبما ورد في مواضع أخر * (وإن تطيعوا الله ورسوله لا يلتكم من أعمالكم شيئا) * معنى لا يلتكم لا ينقصكم شيئا من أجور أعمالكم وفيه لغتان يقال لات وعليه قراءة نافع لا يلتكم بغير همز ويقال ألت وعليه قراءة من قرأ لا يألتكم بهمزة قبل اللام فإن قيل كيف يعطيهم أجور أعمالهم وقد قال إنهم لم يؤمنوا ولا يقبل عمل إلا من مؤمن فالجواب أن طاعة
(٦١)