وتعظيما وسببها أن بعض جفاة الأعراب كانوا يرفعون أصواتهم * (أن تحبط أعمالكم) * مفعول من أجله تقديره مخافة أن تحبط أعمالكم إذا رفعتم أصواتكم فوق صوته أو جهرتم له بالقول صلى الله عليه وسلم فالمفعول من أجله يتعلق بالفعلين معا من طريق المعنى وأما من طريق الإعراب فيتعلق عند البصريين بالثاني وهو لا تجهر وعند الكوفيين بالأول وهو لا ترفعوا أصواتكم وهذا الإحباط لأن قلة الأدب معه صلى الله عليه وسلم والتقصير في توقيره يحبط الحسنات وإن فعله مؤمن لعظيم ما وقع فيه من ذلك وقيل إن الآية خطاب للمنافقين وهذا ضعيف لقوله في أولها * (يا أيها الذين آمنوا) * وقوله وأنتم لا تشعرون فإنه لا يصح أن يقال هذا لمنافق فإنه يفعله جرأة وهو يقصده * (إن الذين يغضون أصواتهم عند رسول الله) * نزلت في أبي بكر وعمر رضي الله عنهما فإنه لما نزلت لآية قبلها قال أبو بكر والله يا رسول الله لا أكلمنك إلا سرا وكان عمر يخفي كلامه حين يستفهمه النبي صلى الله عليه وسلم ولفظها مع ذلك على عمومه ومعنى امتحن اختبر فوجدها كما يجب مثل ما يختبر الذهب بالنار فيوجد طيبا وقيل معناها دربها للتقوى حتى صارت قوية على احتماله بغير تكلف وقيل معناه أخلصها الله للتقوى * (إن الذين ينادونك من وراء الحجرات أكثرهم لا يعقلون) * الحجرات جمع حجرة وهي قطعة من الأرض يحجر عليها بحائط وكان لكل واحدة من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم حجرة ونزلت الآية في وفد بني تميم قدموا على النبي صلى الله عليه وسلم فدخلوا المسجد ودنوا من حجرات أزواج النبي ووقفوا خارجها ونادوا يا محمد اخرج إلينا فكان في فعلهم ذلك جفاء وبداوة وقلة توقير فتربص رسول الله صلى الله عليه وسلم مدة ثم خرج إليهم فقال له واحد منهم وهو الأقرع بن حابس يا محمد إن مدحي زين وذمي شين فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم ويحك ذلك الله تعالى * (أكثرهم لا يعقلون) * يحتمل وجهين أحدهما أن يكون فيهم قليل ممن يعقل ونفي العقل عن أكثرهم لا عن جميعهم والآخر أن يكون جميعهم ممن لا يعقل وأوقع القلة موضع النفي والأول أظهر في مقتضى اللفظ والثاني أبلغ في الذم " ولو أنهم صبروا حتى تخرج إليهم لكان خير لهم " يعني خيرا في الثواب وفي انبساط نفس النبي صلى الله عليه وسلم وقضائه حوائجهم وإنكار فعلهم فيه تأديب لهم وتعليم لغيرهم * (إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا) * سببها أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث الوليد بن عقبة بن أبي معيط إلى بني المصطلق ليأخذ زكاتهم فروى أنه كان معاديا لهم فأراد إذايتهم فرجع من بعض طريقه فكذب عليهم وقال للنبي صلى الله عليه وسلم إنهم قد منعوني الصدقة وطردوني وارتدوا فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم بغزوهم ونظر في ذلك فورد وفدهم منكرين لذلك وروى أن الوليد بن عقبة لما قرب منهم خرجوا إليه متلفين له فرآهم على بعد ففزع منهم وظن بهم الشر فانصرف فقال ما قال وروى أنه بلغه أنهم قالوا لا نعطيه صدقة ولا نطيعه فانصرف وقال ما قال فالفاسق المشار اليه في الآية هو الوليد بن عقبة ولم يزل بعد ذلك يفعل
(٥٨)