التسهيل لعلوم التنزيل - الغرناطي الكلبي - ج ٤ - الصفحة ٢٠٨
سورة العلق (نزل صدرها بغار حراء وهو أول ما نزل من القرآن حسبما ورد عن عائشة في الحديث الذي ذكرناه في أول الكتاب * (اقرأ باسم ربك) * فيه وجهان أحدهما أن معناه اقرأ القرآن مفتتحا باسم ربك أو متبركا باسم ربك وموضع باسم ربك نصب على الحال ولذا كان تقديره مفتتحا فيحتمل أن يريد ابتدإ القراءة بقول بسم الله الرحمن الرحيم أو يريد الابتداء باسم الله مطلقا والوجه الثاني أن معناه اقرأ هذا اللفظ وهو باسم ربك الذي خلق فيكون باسم ربك مفعولا وهو المقروء * (الذي خلق) * حذف المفعول لقصد العموم كأنه قال الذي خلق كل شئ ثم خصص خلقة الإنسان لما فيه من العجائب والعبر ويحتمل أنه أراد الذي خلق الإنسان كما قال * (الرحمن علم القرآن خلق الإنسان) * ثم فسره بقوله * (خلق الإنسان من علق) * والعلق جمع علقة وهي النطفة من الدم والمراد بالإنسان هنا جنس بني آدم ولذلك جمع العلق لما أراد الجماعة بخلاف قوله " فإنا خلقناكم من نطفة ثم من علقة " لأنه أراد كل واحد على حدته ولم يدخل آدم في الإنسان هنا لأنه لم يخلق من علقة وإنما خلق من طين * (اقرأ وربك الأكرم) * كرر الأمر بالقراءة تأكيدا والواو للحال والمقصود تأنيس النبي صلى الله عليه وسلم كأنه يقول افعل ما أمرت به فإن ربك كريم وصيغة أفعل للمبالغة * (الذي علم بالقلم) * هذا تفسير للأكرم فدل على أن نعمة التعليم أكبر نعمة وخص من التعليمات الكتابة بالقلم لما فيها من تخليد العلوم ومصالح الدين والدنيا وقرأ ابن الزبير علم الخط بالقلم * (علم الإنسان ما لم يعلم) * يحتمل أن يريد بهذا التعليم الكتابة لأن الإنسان لم يكن يعلمها في أول أمره أو يريد التعليم لكل شئ على الإطلاق وقيل إن الإنسان هنا سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم والأظهر أنه جنس الإنسان على العموم * (كلا إن الإنسان ليطغى) * نزل هذا وما بعده إلى آخر السورة في أبى جهل بعد نزول صدرها بمدة وذلك أنه كان يطغى بكثرة ماله ويبالغ في عداوة النبي صلى الله عليه وسلم وكلا هنا يحتمل أن تكون زجرا لأبي جهل أو بمعنى حقا أو استفتاحا * (أن رآه استغنى) * في موضع المفعول من أجله أي يطغى من أجل غناه والرؤية هنا بمعنى العلم بدليل إعمال الفعل في الضمير ولا يكون ذلك إلا في إفعال القلوب والمعنى رأى نفسه استغنى واستغنى هو المفعول الثاني * (إن إلى ربك الرجعى) * هذا تهديد لأبي جهل وأمثاله * (أرأيت الذي ينهى عبدا إذا صلى) * اتفق المفسرون أن العبد الذي صلى هو سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وأن الذي نهاه أبو جهل لعنه الله وسبب الآية أن أبا جهل جاء إلي النبي صلى الله عليه وسلم وهو يصلي في المسجد الحرام فهم بأن يصل إليه ويمنعه من الصلاة وروى أنه قال لئن رأيته يصلى لأطأن عنقه فجاءه وهو يصلي ثم انصرف عنه مرعوبا
(٢٠٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 203 204 205 206 207 208 209 210 211 212 213 ... » »»