التسهيل لعلوم التنزيل - الغرناطي الكلبي - ج ٤ - الصفحة ٢٠٥
لمخلوق * (ووجدك ضالا فهدى) * فيه ستة أقوال أحدها وجدك ضالا عن معرفة الشريعة فهداك إليها فالضلال عبارة عن التوقيف في أمر الدين حتى جاءه الحق من عند الله فهو كقوله * (ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان) * وهذا هو الأظهر وهو الذي اختاره ابن عطية وغيره ومعناه أنه لم يكن يعرف تفصيل الشريعة وفروعها حتى بعثه الله ولكنه ما كفر بالله ولا أشرك به لأنه كان معصوما من ذلك قبل النبوة وبعدها والثاني وجدك في قوم ضلال فكأنك واحد منهم وإن لم تكن تعبد ما يعبدون وهذا قريب من الأول والثالث وجدك ضالا عن الهجرة فهداك إليها وهذا ضعيف لأن السورة نزلت قبل الهجرة الرابع وجدك خامل الذكر لا تعرف فهدى الناس إليك وهداهم بك وهذا بعيد عن المعنى المقصود الخامس أنه من الضلال عن الطريق وذلك أنه صلى الله عليه وسلم ضل في بعض شعب مكة وهو صغير فرده الله إلى جده وقيل بل ضل من مرضعته حليمة فرده الله إليها وقيل بل ضل في طريق الشام حين خرج إليها مع أبي طالب السادس أنه بمعنى الضلال من المحبة أي وجدك محبا لله فهداك إليه ومنه قول إخوة يوسف لأبيهم * (تالله إنك لفي ضلالك القديم) * أي محبتك ليوسف وبهذا كان يقول شيخنا الأستاذ أبو جعفر بن الزبير * (ووجدك عائلا فأغنى) * العائل الفقير يقال عال الرجل فهو عائل إذا كان محتاجا وأعال فهو معيل إذا كثر عياله وهذا الفقر والغنى هو في المال وغناؤه صلى الله عليه وسلم هو أن أعطاه الله الكفاف وقيل هو رضاه بما أعطاه الله وقيل المعنى وجدك فقيرا إليه فأغناك به * (فأما اليتيم فلا تقهر) * أي لا تغلبه على ماله وحقه لأجل ضعفه أو لا تقهره بالمنع من مصالحه ووجوه القهر كثيرة والنهي يعم جميعها * (وأما السائل فلا تنهر) * النهر هو الانتهار والزجر والنهي عنه أمر بالقول الحسن والدعاء للسائل كما قال تعالى * (فقل لهم قولا ميسورا) * ويحتمل السائل أن يريد به سائل الطعام والمال وهذا هو الأظهر والسائل عن العلم والدين وفي قوله تقهر وتنهر لزوم مالايلزم من التزام الهاء قبل الراء * (وأما بنعمة ربك فحدث) * قيل معناه بث القرآن وبلغ الرسالة والصحيح أنه عموم في جميع النعم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " التحدث بالنعم شكر " ولذلك كان بعض السلف يقول لقد أعطاني الله كذا ولقد صليت البارحة كذا وهذا إنما يجوز إذا كان على وجه الشكر أو ليقتدي به فأما على وجه الفخر والرياء فلا يجوز وانظر كيف ذكر الله في هذه السورة ثلاث نعم ثم ذكر في مقابلتها ثلاث وصايا فقابل قوله ألم يجدك يتيما بقوله فأما اليتيم فلا تقهر وقابل قوله ووجدك ضالا بقوله وأما السائل فلا تنهر على قول من قال إنه السائل عن العلم وقابله بقوله وأما بنعمة ربك فحدث على القول الآخر وقابل قوله ووجدك عائلا فأغنى بقوله وأما السائل فلا تنهر على القول الأظهر وقابله بقوله وأما بنعمة ربك فحدث على القول الآخر سورة ألم نشرح * (ألم نشرح لك صدرك) * هذا لصدره توقيف معناه إثبات شرح صدره صلى الله عليه وسلم وتعديد ما ذكر
(٢٠٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 200 201 202 203 204 205 206 207 208 209 210 ... » »»