لما ورد في الحديث أن الله يقول يا أهل الجنة هل تريدون شيئا أزيدكم فيقولون يا ربنا وأي شئ نريد وقد أعطيتنا ما لم تعط أحدا من العالمين فيقول عندي أفضل من ذلك وهو رضواني فلا أسخط عليكم أبدا * (ذلك لمن خشي ربه) * أي لمن خافه وهذا دليل على فضل الخوف قال رسول الله صلى الله عليه وسلم خوف الله رأس كل حكمة سورة الزلزلة * (إذا زلزلت الأرض) * أي حركت واهتزت * (زلزالها) * مصدر وإنما أضيف أليها تهويلا كأنه يقول الزلزلة التي تليق بها على عظم جرمها * (وأخرجت الأرض أثقالها) * يعني الموتى الذين في جوفها وذلك عند النفخة الثانية في الصور وقيل هي الكنوز وهذا ضعيف لأن إخراجها للكنوز وقت الدجال " وقال الإنسان مالها " أي يتعجب من شأنها فيحتمل أن يريد جنس الإنسان أو الكافر خاصة لأنه الذي يرى حينئذ مالا يظن * (يومئذ تحدث أخبارها) * هذه عبارة عما يحدث فيها من الأهوال فهو مجاز وحديث بلسان الحال وقيل هو شهادتها على الناس بما عملوا على ظهرها فهو حقيقة وتحدث يتعدى إلى مفعولين حذف المفعول منهما والتقدير تحدث الخلق أخبارها وانتزع بعض المحدثين من قوله تحدث أخبارها أن قول المحدث حدثنا وأخبرنا سواء وهذه الجملة هي جواب إذا زلزلت وتحدث هو العامل في إذا ويومئذ بدل من إذا ويجوز أن يكون العامل في إذا مضمر وتحدث عامل في يومئذ * (بأن ربك أوحى لها) * الباء سببية متعلقة بتحدث أي تحدث بسبب أن الله أوحى لها ويحتمل أن يكون بأن الله أوحى لها بدلا من إخبارها وهذا كما تقول حدثت كذا وحدثت بكذا والمعنى على هذا تحدث بحديث الوحي لها وهذا الوحي يحتمل أن يكون الهاما أو كلاما بواسطة الملائكة ولها بمعنى إليها وقيل معناه أوحى إلى الملائكة من أجلها وهذا بعيد * (يومئذ يصدر الناس أشتاتا) * معنى أشتاتا مختلفين في أحوالهم وواحد الأشتات شت وصدر الناس هو انصرافهم من موضع وردهم فقيل الورد هو الدفن في القبور والصدر هو القيام للبعث وقيل الورد القيام للحشر والصدر الانصراف إلى الجنة والنار وهذا أظهر وفيه يعظم التفاوت بين أحوال الناس فيطهر كونهم أشتاتا * (فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره) * المثقال هو الوزن والذرة هي النملة الصغيرة والرؤية هنا ليست برؤية بصر وإنما هي عبارة عن الجزاء وذكر الله مثقال الذرة تنبيها على ما هو أكثر منه من طريق الأولى كأنه قال من يعمل قليلا أو كثيرا وهذه الآية هي في المؤمنين لأن الكافر لا يجازى في الآخرة على حسناته إذ لم تقبل منه واستدل أهل السنة بهذه الآية أنه لا يخلد مؤمن في النار لأنه إذا خلد لم ير ثوابا على إيمانه وعلى ما عمل من الحسنات وروى عن عائشة أنها تصدقت بحبة عنب فقيل لها في ذلك فقالت كم فيها من مثقال ذرة وسمع رجلا هذه الآية عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال حسبي الله لا أبالي أن أسمع غيرها * (ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره) * هذا على عمومه في حق الكافر وأما المؤمنون فلا يجازون بذنوبهم إلا بستة شروط وهي أن تكون ذنوبهم كبائر وأن يموتوا قبل التوبة منها وأ لا تكون لهم حسنات أرجح في الميزان منها وأن لا يشفع فيهم وأن لا يكون ممن استحق
(٢١٣)