التسهيل لعلوم التنزيل - الغرناطي الكلبي - ج ٤ - الصفحة ٢١٢
القرآن في صحفه * (فيها كتب قيمة) * أي قيمة بالحق مستقيمة المعاني ووزن قيمة فيعلة وفيه مبالغة قال ابن عطية هذا على حذف مضاف تقديره فيها أحكام كتب ولا يحتاج إلى هذا الحذف لأن الكتب بمعنى المكتوبات * (وما تفرق الذين أوتوا الكتاب إلا من بعد ما جاءتهم البينة) * أي ما اختلفوا في نبوة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم إلا من بعد ما علموا أنه حق ويحتمل أن يريد تفرقهم في دينهم كقوله ولقد آتينا موسى الكتاب فاختلف فيه وإنما خص الذين أوتوا الكتاب بالذكر هنا بعد ذكرهم مع غيرهم في أول السورة لأنهم كانوا يعلمون صحة نبوة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم بما يجدون في كتبهم من ذكره * (وما أمروا) * الآية معناها ما أمروا في التوراة والإنجيل إلا بعبادة الله ولكنهم حرفوا وبدلوا ويحتمل أن يكون المعنى ما أمروا في القرآن إلا بعبادة الله فلأي شئ ينكرونه ويكفرون به * (مخلصين له الدين) * استدل المالكية بهذا على وجوب النية في الوضوء وهو بعيد لأن الإخلاص هنا يراد به التوحيد وترك الشرك أو ترك الرياء وذلك أن الإخلاص مطلوب في التوحيد وفي الأعمال وهذا الاخلاص في التوحيد هو الشرك الجلي وهذا الاخلاص في الأعمال هو الشرك الخفي وهو الرياء قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الرياء الشرك الأصغر وقال صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه أنه تعالى يقول أنا أغنى الأغنياء عن الشرك فمن عمل عملا أشرك فيه غيري تركته وشريكه) واعلم أن الأعمال ثلاثة أنواع مأمورات ومنهيات ومباحات فأما المأمورات فالاخلاص فيها عبارة عن خلوص النية لوجه الله بحيث لا يشوبها بنية أخرى فإن كانت كذلك فالعمل خالص مقبول وإن كانت النية لغير وجه الله من طلب منفعة دنيوية أو مدح أو غير ذلك فالعمل رياء محض مردود وإن كانت النية مشتركة ففي ذلك تفصيل فيه نظر واحتمال وأما المنهيات فإن تركها دون نية خرج عن عهدتها ولم يكن له أجر في تركها وإن تركها بنية وجه الله حصل له الخروج عن عهدتها مع الأجر وأما المباحات كالأكل والنوم والجماع وشبه ذلك فإن فعلها بغير نية لم يكن له فيها أجر وإن فعلها بنية وجه الله فله فيها أجر فإن كل مباح يمكن أن يصير قربة إذا قصد به وجه الله مثل أن يقصد بالأكل القوة على العبادة ويقصد بالجماع التعفف عن الحرام * (حنفاء) * جمع حنيف وقد ذكر " وذلك دين االقيمة " تقديره الملة القيمة أو الجماعة القيمة وقد فسرنا القيمة ومعناه أن الذي أمروا به من عبادة الله والإخلاص له وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة هو دين الإسلام فلأي شئ لا يدخلون فيه * (البرية) * الخلق لأن الله برأهم وأوجدهم بعد العدم وقرئ بالهمز وهو الأصل وبالياء وهو تخفيف من المهموز وهو أكثر استعمالا عند العرب * (رضي الله عنهم ورضوا عنه) * اختلف هل هذا في الدنيا أو في الآخرة فرضاهم عن الله في الدنيا هو الرضا بقضائه والرضا بدينه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ذاق طعم الإيمان من رضي بالله ربا وبالاسلام دينا وبمحمد رسولا ورضاهم عنه في الآخرة وهو رضاهم بما أعطاهم الله فيها أو رضا الله عنهم
(٢١٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 207 208 209 210 211 212 213 214 215 216 217 ... » »»