التسهيل لعلوم التنزيل - الغرناطي الكلبي - ج ٤ - الصفحة ١٧٥
الكافر يا ليتني كنت ترابا) تمنى أن يكون يوم القيامة ترابا فلا يحاسب ولا يجازى وقيل تمنى أن يكون في الدنيا ترابا أي لم يخلق وروى أن البهائم تحشر ليقتص لبعضهم من بعض ثم ترد ترابا فيتمنى الكافر أن يكون ترابا مثلها وهذا يقوى الأول وقيل الكافر هنا إبليس يتمنى أن يكون خلق من تراب مثل آدم وذريته لما رأى ثوابهم وقد كان احتقر التراب في قوله خلقتني من نار وخلقته من طين سورة النازعات اختلف في معنى النازعات والناشطات والسابقات والسابحات والمدبرات فقيل إنها الملائكة وقيل النجوم فعلى القول بأنها الملائكة سماهم نازعات لأنهم ينزعون نفوس بني آدم من أجسادها وناشطات لأنهم ينشطونها أي يخرجونها فهو من قولك نشطت الدلو من البئر إذا أخرجتها وسابحات لأنهم يسبحون في سيرهم أي يسرعون فيسبقون فيدبرون أمور العباد والرياح والمطر وغير ذلك حسبما يأمرهم الله وعلى القول بأنها النجوم سماها نازعات لأنها تنزع من المشرق إلى المغرب وناشطات لأنها تنشط من برج إلى برج وسابحات لأنها تسبح في الفلك ومنه كل في فلك يسبحون فتسبق في جريها فتدبر أمرا من علم الحساب وقال ابن عطية لا أعلم خلافا أن المدبرات أمرا الملائكة وحكى الزمخشري فيها ما ذكرنا وقد قيل في النازعات والناشطات أنها النفوس تنزع من معنى النزع بالموت فتنشط من الأجساد وقيل في السابحات والسابقات أنها الخيل وأنهل السفن * (غرقا) * إن قلنا النازعات الملائكة ففي معنى غرقا وجهان أحدهما أنها من الغرق أي تغرق الكفار في جهنم والآخر أنه من الإغراق في الأمر بمعنى المبالغة فيه أي تبالغ في نزعها فتقطع الفلك كله وإن قلنا إنها النفوس فهو أيضا من الإغراق أي تغرق في الخروج من الجسد والإعراب غرقا مصدر في موضع الحال ونشطا وسبحا وسبقا مصادر وأمرا مفعول به وجواب القسم محذوف وهو بعث الموتى بدلالة ما بعده عليه من ذكر القيامة وقيل الجواب يوم ترجف الراجفة تتبعها الرادفة على تقدير حذف لام التأكيد وقيل هو * (إن في ذلك لعبرة لمن يخشى) * وهذا بعيد لبعده عن القسم ولأنه إشارة إلى قصة فرعون لا لمعنى القسم * (يوم ترجف الراجفة تتبعها الرادفة) * قيل الراجفة النفخة الأولى في الصور والرادفة النفخة الثانية لأنها تتبعها ولذلك سماها رادفة من قولك ردفت الشئ إذا تبعته وفي الحديث أن بينهما أربعين عاما وقيل الراجفة الموت والرادفة القيامة وقيل الراجفة الأرض من قوله * (ترجف الأرض والجبال) * والرادفة السماء لأنها تنشق يومئذ والعامل في يوم ترجف محذوف وهو الجواب المقدر تقديره لتبعثن يوم ترجف الراجفة وإن جعلنا يوم ترجف الجواب فالعامل في يوم معنى قوله * (قلوب يومئذ واجفة) * وقوله * (تتبعها الرادفة) * في موضع الحال ويحتمل أن يكون العامل فيه تتبعها * (قلوب يومئذ واجفة) * أي شديدة الاضطراب والوجيف والوجيب بمعنى واحد وارتفع قلوب بالابتداء وواجفة خبره وقال الزمخشري واجفة صفة والخبر أبصارها خاشعة
(١٧٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 170 171 172 173 174 175 176 177 178 179 180 ... » »»