التسهيل لعلوم التنزيل - الغرناطي الكلبي - ج ٣ - الصفحة ١٦٤
القمر سريع فإنه يقطع الفلك في شهر والبطيء لا يدرك السريع * (ولا الليل سابق النهار) * يعني أن كل واحد منهما جعل الله له وقتا موقتا واحدا معلوما لا يتعداه فلا يأتي الليل حتى ينفصل النهار كما لا يأتي النهار حتى ينفصل الليل ويحتمل أن يريد أن آية الليل وهي القمر لا تسبق آية النهار وهي الشمس أي لا تجتمع معه فيكون المعنى كالذي قيل في قوله * (لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر) * فحصل من ذلك أن الشمس لا تجتمع مع القمر وأن القمر لا يجتمع مع الشمس * (وكل في فلك يسبحون) * ذكر في الأنبياء * (وآية لهم أنا حملنا ذريتهم في الفلك المشحون) * معنى المشحون المملوء والفلك هنا يحتمل أن يريد به جنس السفن أو سفينة نوح عليه السلام وأما الذرية فقيل إنه يعني الآباء الذين حملهم الله في سفينة نوح عليه السلام وسمى الآباء ذرية لأنها تناسلت منهم وأنكر ابن عطية ذلك وقال إنه يعني النساء وهذا بعيد والأظهر أنه أراد بالفلك جنس السفن فيعني جنس بني آدم وإنما خص ذريتهم بالذكر لأنه أبلغ في الامتنان عليهم ولأن فيه إشارة إلى حمل أعقابهم إلى يوم القيامة وإن أراد بالفلك سفينة نوح فيعني بالذرية من كان في السفينة وسماهم ذرية لأنهم ذرية آدم ونوح فالضمير في ذريتهم على هذا النوع بني آدم كأنه يقول الذرية منهم * (وخلقنا لهم من مثله ما يركبون) * إن أراد بالفلك سفينة نوح فيعني بقوله من مثله سائر السفن التي يركبها سائر الناس وإن أراد بالفلك جنس السفن فيعني بقوله من مثله الإبل وسائر المركوبات فتكون المماثلة على هذا في أنه مركوب لا غير والأول أظهر لقوله وإن نشأ نغرقهم ولا يتصور هذا في المركوبات غير السفن * (فلا صريخ لهم) * أي لا مغيث لهم ولا منقذ لهم من الغرق * (إلا رحمة منا) * قال الكسائي نصب رحمة على الاستثناء كأنه قال إلا أن نرحمهم وقال الزجاج نصب رحمة على المفعول من أجله كأنه قال إلا لأجل رحمتنا إياهم * (ومتاعا إلى حين) * يعني آجالهم * (وإذا قيل لهم اتقوا ما بين أيديكم وما خلفكم) * الضمير لقريش وجواب إذا محذوف تقديره أعرضوا يدل عليه إلا كانوا كانوا عنها معرضين والمراد بما بين أيديهم وما خلفهم ذنوبهم المتقدمة والمتأخرة وقيل ما بين أيديهم عذاب الأمم المتقدمة وما خلفهم عذاب الآخرة * (قال الذين كفروا للذين آمنوا أنطعم من لو يشاء الله أطعمه) * كان النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنون يحضون على الصدقات وإطعام المساكين فيجيبهم الكفار بهذا الجواب وفي معناه قولان أحدهما أنهم قالوا كيف نطعم المساكين ولو شاء الله أن يطعمهم لأطعمهم ومن حرمهم الله نحن نحرمهم وهذا كقولهم كن مع الله على المدبر والآخر أن قولهم رد على المؤمنين وذلك أن المؤمنين كانوا يقولون إن الأمور كلها بيد الله فكأن الكفار يقولون لهم لو كان كما تزعمون لأطعم الله هؤلاء فما بالكم تطلبون إطعامهم منا ومقصدهم في الوجهين احتجاج لبخلهم ومنعهم الصدقات واستهزاء بمن حضهم على الصدقات * (إن أنتم إلا في ضلال مبين) * يحتمل أن يكون من بقية كلامهم خطابا للمؤمنين أو يكون
(١٦٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 159 160 161 162 163 164 165 166 167 168 169 ... » »»