التسهيل لعلوم التنزيل - الغرناطي الكلبي - ج ٣ - الصفحة ١٦١
ولا يعارض هذا بعث الأنبياء المتقدمين فإن هؤلاء القوم لم يدركوهم ولا آباؤهم الأقربون * (لقد حق القول) * أي سبق القضاء * (إنا جعلنا في أعناقهم أغلالا) * الآية فيها ثلاثة أقوال الأول أنها عبارة عن تماديهم على الكفر ومنع الله لهم من الإيمان فشبههم بمن جعل في عنقه غل يمنعه من الالتفات وغطى على بصره فصار لا يرى والثاني أنها عبارة عن كفهم عن إذاية النبي صلى الله عليه وسلم حين أراد أبو جهل أن يرميه بحجر فرجع عنه فزعا مرعوبا والثالث أن ذلك حقيقة في حالهم في جهنم والأول أظهر وأرجح لقوله قبلها * (فهم لا يؤمنون) * وقوله بعدها " وسواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون " * (فهي إلى الأذقان) * الذقن هي طرف الوجه حيث تنبت اللحية والضمير للأغلال وذلك أن الغل حلقة في العنق فإذا كان واسعا عريضا وصل إلى الذقن فكان أشد على المغلول وقيل الضمير للأيدي على أنها لم يتقدم لها ذكر ولكنها تفهم من سياق الكلام لأن المغلول تضم يداه في الغل إلى عنقه وفي مصحف ابن مسعود إنا جعلنا في أيديهم أغلالا فهي إلى الأذقان وهذه القراءة تدل على هذا المعنى وقد أنكره الزمخشري * (فهم مقمحون) * يقال قمح البعير إذا رفع رأسه وأقمحه غيره إذا فعل به ذلك والمعنى أنهم لما اشتدت الأغلال حتى وصلت إلى أذقانهم اضطرت رؤوسهم إلى الارتفاع وقيل معنى مقمحون ممنوعون من كل خير * (وجعلنا من بين أيديهم سدا) * الآية السد الحائل بين الشيئين وذلك عبارة عن منعهم من الإيمان * (فأغشيناهم) * أي غطينا على أبصارهم وذلك أيضا مجاز يراد به إضلالهم * (وسواء عليهم) * الآية ذكرنا معناها وإعرابها في البقرة * (إنما تنذر من اتبع الذكر) * المعنى أن الإنذار لا ينفع إلا من اتبع الذكر وهو القرآن * (وخشي الرحمن بالغيب) * معناه كقولك إنما تنذر الذين يخشون ربهم بالغيب وقد ذكرناه في فاطر * (إنا نحن نحيي الموتى) * أي نبعثهم يوم القيامة وقيل إحياؤهم إخراجهم من الشرك إلى الإيمان والأول أظهر * (ونكتب ما قدموا وآثارهم) * أي ما قدموا من أعمالهم وما تركوه بعدهم كعلم علموه أو تحبيس حبسوه وقيل الأثر هنا الخطا إلى المساجد وجاء ذلك في الحديث * (إمام مبين) * أي في كتاب وهو اللوح المحفوظ أو صحائف الأعمال * (واضرب لهم مثلا) * الضمير لقريش ومثلا وأصحاب القرية مفعولان باضرب على القول بأنها تتعدى إلى مفعولين وهو الصحيح والقرية أنطاكية * (إذ جاءها المرسلون) * هم من الحواريين الذين أرسلهم عيسى عليه الصلاة والسلام يدعون الناس إلى عبادة الله وقيل بل هم رسل أرسلهم الله ويدل على هذا قول قومهم ما أنتم إلا بشر مثلنا فإن هذا إنما يقال لمن ادعى أن الله أرسله * (فعززنا بثالث) * أي قوينا الاثنين برسول ثالث قيل اسمه شمعون * (ربنا يعلم إنا إليكم لمرسلون) * إنما أكدوا الخبر هنا باللام لأنه جواب المنكرين بخلاف
(١٦١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 156 157 158 159 160 161 162 163 164 165 166 ... » »»