التسهيل لعلوم التنزيل - الغرناطي الكلبي - ج ٣ - الصفحة ١٥٨
والحمرة وغير ذلك من الألوان وقيل يريد الأنواع والأول أظهر لذكره البيض والحمر والسود بعد ذلك وفي الوجهين دليل على أن الله تعالى فاعل مختار يخلق ما يشاء ويختار وفيه رد على الطبائعيين لأن الطبيعة لا يصدر عنها إلا نوع واحد * (جدد) * جمع جدة وهي الخطط والطرائق في الجبال * (وغرابيب) * جمع غربيب وهو الشديد السواد وقدم الوصف الأبلغ وكان حقه أن يتأخر لقصد التأكيد ولأن ذلك كثيرا ما يأتي في كلام العرب * (كذلك) * يتعلق بما قبله فيتم الوقف عليه والمعنى أن من الناس والدواب والأنعام مختلف ألوانه مثل الجبال المختلف ألوانها والثمرات المختلف ألوانها وذلك كله استدلال على قدرة الله وإرادته * (إنما يخشى الله من عباده العلماء) * يعني العلماء بالله وصفاته وشرائعه علما يوجب لهم الخشية من عذابه وفي الحديث أعلمكم بالله أشدكم له خشية لأن العبد إذا عرف الله خاف من عقابه وإذا لم يعرفه لم يخف منه فلذلك خص العلماء بالخشية * (إن الذين يتلون كتاب الله) * أي يقرؤن القرآن وقيل معنى يتلون يتبعون والخبر يرجون تجارة أو محذوف * (لن تبور) * أي لن تكسد ويعني بالتجارة طلب الثواب * (ويزيدهم من فضله) * توفية الأجوروهو ما يستحقه المطيع من الثواب والزيادة التضعيف فوق ذلك وقيل الزيادة النظر إلى وجه الله * (مصدقا لما بين يديه) * تقدم في البقرة * (ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا) * يعني أمة محمد صلى الله عليه وسلم والتوريث عبارة عن أن الله أعطاهم الكتاب بعد غيرهم من الأمم * (فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات) * قال عمر وابن مسعود وابن عباس وكعب وعائشة وأكثر المفسرين هذه الأصناف الثلاثة في أمة محمد صلى الله عليه وسلم فالظالم لنفسه العاصي والسابق التقي والمقتصد بينهما وقال الحسن السابق من رجحت حسناته على سيئاته والظالم لنفسه من رجحت سيئاته والمقتصد من استوت حسناته وسيئاته وجميعهم يدخلون الجنة وروي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال سابقنا سابق ومقتصدنا ناج وظالمنا مغفور له وقيل الظالم الكافر والمقتصد المؤمن العاصي والسابق التقي فالضمير في منهم على هذا يعود على العباد وأما على القول الأول فيعود على الذين اصطفينا وهو أرجح وأصح لوروده في الحديث وجلالة القائلين به فإن قيل لم قدم الظالم ووسط المقتصد وأخر السابق فالجواب أنه قدم الظالم لنفسه رفقا به لئلا ييئس واخر السابق لئلا يعجب بنفسه وقال
(١٥٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 153 154 155 156 157 158 159 160 161 162 163 ... » »»