تظاهرت الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن هذه الآية في الملائكة عليهم السلام فإنهم إذا سمعوا الوحي إلى جبريل يفزعون لذلك فزعا عظيما فإذا زال الفزع عن قلوبهم قال بعضهم لبعض ماذا قال ربكم فيقولون قال الحق ومعنى فزع عن قلوبهم زال عنها الفزع والضمير في قلوبهم وفي قالوا الملائكة فإن قيل كيف ذلك ولم يتقدم لهم ذكر يعود الضمير عليه فالجواب أنه قد وقعت إليهم إشارة بقوله ولا تنفع الشفاعة عنده إلا لمن أذن له لأن بعض العرب كانوا يعبدون الملائكة ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله فذكر الشفاعة يقتضي ذكر الشافعين فعاد الضمير على الشفعاء الذين دل عليهم لفظ الشفاعة فإن قيل بم اتصل قوله حتى إذا فزع عن قلوبهم ولأي شيء وقعت حتى غائبة فالجواب أنه اتصل بما فهم من الكلام من أن ثم انتظارا للإذن وفزعا وتوقفا حتى يزول الفزع بالإذن في الشفاعة ويقرب هذا في المعنى من قوله يوم يقوم الروح والملائكة صفا لا يتكلمون إلا من أذن له الرحمن ولم يفهم بعض الناس اتصال هذه الآية بما قبلها فاضطربوا فيها حتى قال بعضهم هي في الكفار بعد الموت ومعنى فزع عن قلوبهم رأوا الحقيقة فقيل لهم ماذا قال ربكم فيقولون قال الحق فيقرون حين لا ينفعهم الإقرار والصحيح أنها في الملائكة لورود ذلك في الحديث ولأن القصد الرد على الكفار الذين عبدوا الملائكة فذكر شدة خوف الملائكة من الله وتعظيمهم له * (قل من يرزقكم) * سؤال قصد به إقامة الحجة على المشركين * (قل الله) * جواب عن السؤال بما لا يمكن لمخالفة فيه ولذلك جاء السؤال والجواب من جهة واحدة * (وإنا أو إياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين) * هذه ملاطفة وتنزل في المجادلة إلى غاية الإنصاف كقولك الله يعلم أن أحدنا على حق وأن الآخر على باطل ولا تعين بالتصريح أحدهما ولكن تنبه الخصم على النظر حتى يعلم من هو على الحق ومن هو على الباطل والمقصود من الآية أن المؤمنين على هدى وأن الكفار على ضلال مبين * (قل لا تسألون عما أجرمنا) * إخبار يقتضي مسالمة نسخت بالسيف * (يفتح بيننا) * أي يحكم والفتاح الحاكم " قل أروني الذي ألحقتم به شركاء " إقامة حجة على المشركين والرؤية هنا رؤية قلب فشركاه مفعول ثالث والمعنى أروني بالدليل والحجة من هم له شركاء عندكم وكيف وجه الشركة وقيل هي رؤية بصر وشركاء حال من المفعول في ألحقتم كأنه قال أين الذين تعبدون من دونه وفي قوله أروني تحقير للشركاء وازدراء بهم وتعجيز للمشركين وفي قوله كلا ردع لهم عن الإشراك وفي وصف الله بالعزيز الحكيم رد عليهم بأن شركاءهم ليسوا كذلك * (وما أرسلناك إلا كافة للناس) * المعنى أن الله أرسل محمدا صلى الله عليه وسلم إلى جميع الناس وهذه إحدى الخصال التي أعطاه الله دون سائر الأنبياء وإعراب كافة حال من الناس قدمت للاهتمام هكذا قال ابن عطية وقال الزمخشري ذلك خطأ لأن تقدم حال المجرور
(١٥٠)