* (رأى كوكبا قال هذا ربي) * يحتمل أن يكون هذا الذي جرى لإبراهيم في الكوكب والقمر والشمس أن يكون قبل البلوغ والتكليف وقد روي أن أمه ولدته في غار خوفا من نمروذ إذ كان يقتل الأطفال لأن المنجمين أخبروه أن هلاكله على يد صبي ويحتمل أن يكون جرى له ذلك بعد بلوغه وتكليفه وأنه قال ذلك لقومه على وجه الرد عليهم والتوبيخ لهم وهذا أرجح لقوله بعد ذلك " إني برئ مما تشركون " ولا يتصور أن يقول ذلك وهو منفرد في الغار لأن ذلك يقتضي محاجة وردا على قومه وذلك أنهم كانوا يعبدون الأصنام والشمس والقمر والكواكب فأراد أن يبين لهم الخطأ في دينهم وأن يرشدهم إلى أن هذه الأشياء لا يصح أن يكون واحدا منها إلها لقيام الدليل على حدوثها وأن الذي أحدثها ودبر طلوعها وغروبها وأفولها هو الإله الحق وحده وقوله هذا ربي قول من ينصف خصمه مع علمه أنه مبطل لأن ذلك أدعى إلى الحق وأقرب إلى رجوع الخصم ثم أقام عليهم الحجة بقوله لا أحب الآفلين أي لا أحب عبادة المتغيرين لأن التغير دليل على الحدوث والحدوث ليس من صفة الإله ثم استمر على ذلك المنهاج في القمر وفي الشمس فلما أوضح البرهان وأقام عليهم الحجة جاهرهم بالبراءة من باطلهم فقال إني بريء مما تشركون ثم أعلن لعبادته لله وتوحيده له فقال إني وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض ووصف الله تعالى بوصف يقتضي توحيده وانفراده بالملك فإن قيل لم احتج بالأفول دون الطلوع وكلاهما دليل على الحدوث لأنهما انتقال من حال إلى حال فالجواب أنه أظهر في الدلالة لأنه انتقال مع اختفاء واحتجاب * (أتحاجوني في الله) * أي في الإيمان بالله وفي توحيده والأصل أتحاجونني بنونين وقرئ بالتشديد على إدغام أحدهما في الآخر وبالتخفيف على حذف أحدهما واختلف هل حذفت الأولى أو الثانية * (ولا أخاف ما تشركون به) * ما هنا بمعنى الذي ويريد بها الأصنام وكانوا قد خوفوه أن تصيبه أصنامهم بضر فقال لا أخاف منهم لأنهم لا يقدرون على شيء * (إلا أن يشاء ربي شيئا) * استثناء منقطع بمعنى لكن أي إنما أخاف من ربي إن أراد بي شيئا * (وكيف أخاف ما أشركتم) * أي كيف أخاف شركاءكم الذين لا يقدرون على شيء وأنتم لا تخافون ما فيه كل خوف وهو إشراككم بالله وأنتم تنكرون على الأمن في موضع الأمن ولا تنكرون على أنفسكم الأمن في موضع الخوف ثم أوقفهم على ذلك بقوله فأي الفريقين أحق بالأمن يعني فريق المؤمنين وفريق الكافرين ثم أجاب عن السؤال بقوله * (الذين آمنوا) * الآية وقيل إن الذين
(١٤)