التسهيل لعلوم التنزيل - الغرناطي الكلبي - ج ٢ - الصفحة ١٢٢
بعد الاعتراف وإن كان من كلامه فهو اعتراف بما هم به على وجه خطوره على قلبه لا على وجه العزم والقصد وقاله في عموم الأحوال على وجه التواضع * (إن النفس لأمارة بالسوء) * النفس هنا للجنس والنفوس ثلاثة أنواع أمارة بالسوء ولوامة وهي التي تلوم صاحبها ومطمئنة * (إلا ما رحم ربي) * استثناء من النفس إذ هي بمعنى النفوس أي الأنفس المرحومة وهي المطمئنة فما على هذا بمعنى الذي ويحتمل أن تكون ظرفية أي إلا حين رحمة الله * (أستخلصه لنفسي) * أي أجعله خاصتي وخلاصتي قال أو لا ائتوني به فلما تبين له حاله قال أستخلصه لنفسي * (فلما كلمه قال إنك اليوم لدينا مكين أمين) * أي فلما رأى حسن كلامه وعرف وفور عقله وعلمه قال إنك اليوم لدينا مكين أمين والمكين من التمكين والأمين من الأمانة * (قال اجعلني على خزائن الأرض) * لما فهم يوسف من الملك أنه يريد تصريفه والاستعانة به قال له ذلك وإنما طلب منه الولاية رغبة منه في العدل وإقامة الحق والإحسان وكان هذا الملك كافرا ويستدل بذلك على أنه يجوز للرجل الفاضل أن يعمل للرجل الفاجر إذا علم أنه يصلح بعض الأحوال وقيل إن الملك أسلم وأراد بقوله خزائن الأرض أرض مصر إذ لم يكن للملك غيرها والخزائن كل ما يخزن من طعام ومال وغير ذلك * (إني حفيظ عليم) * صفتان تعمان وجوه المعرفة والضبط للخزائن وقيل حفيظ للحساب عليم بالألسن واللفظ أعم من ذلك ويستدل بذلك أنه يجوز للرجل أن يعرف بنفسه ويمدح نفسه بالحق إذا جهل أمره وإذا كان في ذلك فائدة * (وكذلك مكنا ليوسف في الأرض) * الإشارة بذلك إلى ما تقدم من جميل صنع الله به وروي أن الملك ولاه في موضع العزيز وأسند إليه جميع الأمور حتى تغلب على أمره وأن امرأة العزيز شاخت وافترقت فتزوجها يوسف ودعا الله فرد عليها جمالها وشبابها وأنه باع من أهل مصر في أعوام القحط الطعام بالدنانير والدراهم في السنة الأولى حتى لم يبق لهم شيء منها ثم بالحلي ثم بالدواب ثم بالضياع والعقار ثم برقابهم حتى تملكهم جميعا ثم أعتقهم ورد عليهم أملاكهم * (نصيب برحمتنا من نشاء) * الرحمة هنا يراد بها الدنيا وكذلك الأجر في قوله ولا نضيع أجر المحسنين بدليل قوله بعد ذلك ولأجر الآخرة خير فأخبر تعالى أن رحمته في الدنيا يصيب بها من يشاء من مؤمن وكافر ومطيع وعاص وأن المحسن لا بد له من أجره في الدنيا فالأول في المشيئة والثاني واقع لا محالة ثم أخبر أن أجر الآخرة خير من ذلك كله للذين آمنوا وكانوا يتقون وفي الآية إشارة إلى أن يوسف عليه السلام جمع الله له بين خيري الدنيا والآخرة * (وجاء إخوة يوسف) * كان سبب مجيئهم أنهم أصابتهم مجاعة في بلادهم فخرجوا إلى مصر ليشتروا بها من الطعام الذي ادخره يوسف * (فعرفهم وهم له منكرون) * إنما أنكروه لبعد العهد به وتغيير سنه أو لأنه كان متلثما روي أنهم دخلوا عليه وهو على هيئة عظيمة من الملك وأنه سألهم
(١٢٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 117 118 119 120 121 122 123 124 125 126 127 ... » »»