تفسير البيضاوي - البيضاوي - ج ٤ - الصفحة ١٨٧
أي لهن أوله إن تاب والأول أوفق للظاهر ولما في مصحف ابن مسعود رضي الله تعالى عنه من بعد إكراههن لهن غفور رحيم ولا يرد عليه أن المكرمة غير آثمة فلا حاجة إلى المغفرة لأن الإكراه لا ينافي المؤاخذة بالذات ولذلك حرم على المكره القتل وأوجب عليه القصاص * (ولقد أنزلنا إليكم آيات مبينات) * يعني التي بنيت في هذه السورة وأوضحت فيها الأحكام والحدود وقرأ ابن عامر وحفص وحمزة والكسائي بالكسر في هذا وفي * (الطلاق) * لأنها واضحات تصدقها الكتب المتقدمة والعقول المستقيمة من بين بمعنى تبين أو لأنها بينت الأحكام والحدود * (ومثلا من الذين خلوا من قبلكم) * أو ومثلا من أمثال من قبلكم أي وقصة عجيبة مثل قصصهم وهي قصة عائشة رضي الله تعالى عنها فإنها كقصة يوسف ومريم * (وموعظة للمتقين) * يعني ما وعظ به في تلك الآيات وتخصيص المتقين لأنهم المنتفعون بها وقيل المراد بالآيات القرآن والصفات المذكورة صفاته * (الله نور السماوات والأرض) * النور في الأصل كيفية تدركها الباصرة أولا وبواسطتها سائر المبصرات كالكيفية الفائضة من النيرين على الأجرام الكثيفة المحاذية لهما وهو بهذا المعنى لا يصح إطلاقه على الله تعالى إلا بتقدير مضاف كقولك زيد كرم بمعنى ذو كرم أو على تجوز إما بمعنى منور السماوات والأرض وقد قرئ به فإنه تعالى نورهما بالكواكب وما يفيض عنها من الأنوار أو بالملائكة والأنبياء أو مدبرهما من قولهم للرئيس الفائق في التدبير نور القوم لأنهم يهتدون به في الأمور أو موجدهما فإن النور ظاهر بذاته مظهر لغيره وأصل الظهور هو الوجود كما أن أصل الخفاء هو العدم والله سبحانه وتعالى موجود بذاته موجد لما عداه أو الذي به تدرك أو يدرك أهلها من حيث إنه يطلق على الباصرة لتعلقها به أو لمشاركتها له في توقف الإدراك عليه ثم على البصيرة لأنها أقوى إدراكا فإنها تدرك نفسها وغيرها من الكليات والجزئيات الموجودات والمعدومات وتغوص في بواطنها وتتصرف فيها بالتركيب والتحليل ثم إن هذه الإدراكات ليست لذاتها وإلا لما
(١٨٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 182 183 184 185 186 187 188 189 190 191 192 ... » »»