فر من رزقه لتبعه كما يتبعه الموت) أسنده الثعلبي. وفي سنن ابن ماجة عن حبة وسواء ابني خالد قالا: دخلنا على النبي صلى الله عليه وسلم وهو يعالج شيئا فأعناه عليه، فقال: (لا تيأسا من الرزق ما تهززت رؤوسكما فإن الانسان تلده أمه أحمر ليس عليه قشر (1) ثم يرزقه الله). وروي أن قوما من الاعراب زرعوا زرعا فأصابته جائحة فحزنوا لأجله، فخرجت عليهم أعرابية فقالت: ما لي أراكم قد نكستم رءوسكم، وضاقت صدوركم، هو ربنا والعالم بنا، رزقنا عليه يأتينا به حيث شاء! ثم أنشأت تقول:
لو كان في صخرة في البحر راسية * صما ململمة ملسا نواحيها رزق لنفس براها الله لانفلقت * حتى تؤدي إليها كل ما فيها أو كان بين طباق السبع مسلكها * لسهل الله في المرقى مراقيها حتى تنال الذي في اللوح خط لها * إن لم تنله وإلا سوف يأتيها قلت: وفي هذا المعنى قصة الأشعريين حين أرسلوا رسولهم إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فسمع قوله تعالى: (وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها) فرجع ولم يكلم النبي صلى الله عليه وسلم وقال: ليس الأشعريون بأهون على الله من الدواب، وقد ذكرناه في سورة (هود (2)). وقال لقمان: (يا بني إنها إن تك مثقال حبة من خردل فتكن في صخرة) الآية. وقد مضى في (لقمان (3)) وقد استوفينا هذا الباب في كتاب (قمع الحرص بالزهد والقناعة) والحمد لله. وهذا هو التوكل الحقيقي الذي لا يشوبه شئ، وهو فراغ القلب مع الرب، رزقنا الله إياه ولا أحالنا على أحد سواه بمنه وكرمه.
قوله تعالى: (مثل من انكم تنطقون) قراءة العامة (مثل) بالنصب أي كمثل (ما أنكم) فهو منصوب على تقدير حذف الكاف أي كمثل نطقكم و (ما) زائدة، قاله بعض الكوفيين. وقال الزجاج والفراء: يجوز أن ينتصب على التوكيد، أي لحق حقا مثل