ابن حماد العسقلاني قال: حدثنا بشر بن بكر، قال: حدثنا الأوزاعي، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (عرض علي الأولون والآخرون بين يدي حجرتي هذه الليلة) فقال قائل: يا رسول الله! ومن مضى من الخلق؟ قال: (نعم عرض علي آدم فمن دونه فهل كان خلق (1) أحد) قالوا: ومن في أصلاب الرجال وبطون الأمهات؟ قال: (نعم مثلوا في الطين فعرفتهم كما علم آدم الأسماء كلها).
قلت: وقد تقدم في أول (الانعام (2)) أن كل إنسان يخلق من طين البقعة التي يدفن فيها. (وإذ أنتم أجنة) جمع جنين وهو الولد ما دام في البطن، سمي جنينا لاجتنانه واستتاره. قال عمرو بن كلثوم:
* هجان اللون لم تقرأ جنينا (3) وقال مكحول: كنا أجنة في بطون أمهاتنا فسقط منا من سقط وكنا فيمن بقى، ثم صرنا رضعا فهلك منا من هلك وكنا فيمن بقي، ثم صرنا يفعة فهلك منا من هلك، وكنا فيمن بقى ثم صرنا شبابا فهلك منا من هلك وكنا فيمن بقي، ثم صرنا شيوخا - لا أبالك! - فما بعد هذا ننتظر؟!. وروى ابن لهيعة عن الحرث بن يزيد عن ثابت بن الحرث الأنصاري قال: كانت اليهود تقول إذا هلك لهم صبي صغير: هو صديق، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال:
(كذبت يهود ما من نسمة يخلقها الله في بطن أمه إلا أنه شقي أو سعيد) فأنزل الله تعالى عند ذلك هذه الآية: (هو أعلم بكم إذ أنشأكم من الأرض) إلى آخرها. ونحوه عن عائشة: (كان اليهود). بمثله. (فلا تزكوا أنفسكم) أي لا تمدحوها ولا تثنوا عليها، فإنه أبعد من الرياء وأقرب إلى الخشوع. (هو أعلم بمن اتقى) أي أخلص العمل واتقى عقوبة الله، عن الحسن وغيره. قال الحسن: قد علم الله سبحانه كل نفس ما هي عاملة، وما هي صانعة، وإلى ما هي صائرة. وقد مضى في (النساء) الكلام في معنى هذه الآية عند قوله