وأما الأطباء، فقالوا في مقدار الشرب: ما دام السرور بترديد (1) والحركات نشيطة والذهن سليما، فلا تخف من إفراط الشرب.
وأما الاعتبار، فشارب المسكر الذي يزيل العقل لا يزول عقله دفعة واحدة، بل يحس أولا بالتغير ثم لا يزال يزداد حتى يذهب، ولا شك أن هذا التغير من جملة السكر وأول درجته الضعيفة، ولا شك أن الشارع لا يرضى بهذا أيضا.
ثم التغير السكري كما يتفاوت درجاته بتفاوت الأزمنة، كذا يتفاوت بتفاوت الكمية والمقادير، فإن الفنجان منه يحدث تغيرا بحسب مقداره، فما زاد على هذا المقدار فيزداد بحسب ازدياده، وكذا يتفاوت بتفاوت الكيفية، فالخمر الردئ - عند الشاربين - يحدث سكرا ضعيفا، فكلما يكون أردأ فيكون السكر أضعف، وكلما يكون أجود يكون السكر أزيد وأشد على تفاوت المراتب، وكذا يتفاوت سرعة وبطء.
وأيضا، مزاج العنب لا ينقلب إلى مزاج الخمر دفعة واحدة، والتغير منه إليه لا يحصل بتمامه وكماله (2) في آن واحد، بل أولا يستعد لعروض شئ من الحالة الخمرية وبعده يحدث فيه من أثر الخمرية - أثر ضعيف لا يشعر به إلا الحذاق الماهرين (3) في فن السكر - ثم لا [يزال] يزداد الأثر ويتقوى إلى أن يزول المزاج العنبي وخاصياته بالمرة ويكمل المزاج الخمري وخاصياتها، ثم لا يزال يزداد جودة إلى أن [يبلغ] درجة الكمال، هذا الشرب الريحاني، فإذا [أرادوا]