قلت: وهذا القول هو الصحيح وأنها محكمة ويدل على إحكامها أربعة أشياء:
الأول: أن قوله: * (عليكم أنفسكم) * يقتضي إغراء الإنسان بمصالح نفسه ويتضمن الأخبار بأنه لا يعاقب بضلال غيره وليس مقتضى ذلك أن لا ينكر على غيره وإنما غاية الأمر أن يكون ذلك مسكوتا عنه فيقف على الدليل.
والثاني: أن الآية تدل على وجوب الأمر بالمعروف لأن قوله * (عليكم أنفسكم) * أمر بإصلاحها وأداء ما عليها وقد ثبت وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فصار من جملة ما على الإنسان في نفسه أن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر. وقد دل على ما قلنا قوله: * (إذا اهتديتم) * وإنما يكون الإنسان مهتديا إذا امتثل أمر الشرع ومما أمر الشرع به الأمر بالمعروف وقد روى عن ابن مسعود والحسن وأبي العالية:
أنهم قالوا في هذه الآية: قولوا ما قبل منكم فإذا رد عليكم فعليكم أنفسكم.
أخبرنا ابن حصين قال: أبنا ابن المذهب قال: أبنا أحمد بن جعفر قال: بنا عبد الله بن أحمد قال: حدثني أبي قال: بنا هاشم بن القاسم قال: بنا زهير يعني ابن معاوية قال: بنا إسماعيل بن أبي خالد قال: بنا قيس قال: قام أبو بكر رضي الله عنه فحمد الله وأثنى عليه قال يا أيها الناس إنكم تقرؤن هذه الآية * (يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم) * إلى آخر الآية وأنكم تضعونها على غير موضعها وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " إن الناس إذا رأوا المنكر ولا يغيرونه أوشك الله عز وجل أن يعمهم بعقابه ".
والثالث: أن الآية قد حملها قوم على أهل الكتاب إذا أدوا الجزية فحينئذ لا يلزمون بغيرها فروى أبو صالح عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم كتب إلى حجر