ولكن * (حق تقاته) * ان تجاهدوا في الله حق جهاده ولا تأخذهم في الله لومة لائم ويقوموا لله بالقسط ولو على أنفسهم وآبائهم وأبنائهم. وهذا مذهب طاوس وهو الصحيح لأن التقوى: هو اجتناب ما نهى الله عنه ولم ينه عن شئ ولا أمر به إلا وهو داخل تحت الطاقة كم قال عز وجل * (لا يكلف الله نفسا إلا وسعها) *.
فالآيتان متوافقتان والتقدير: اتقوا الله حق تقاته ما استطعتم فقد فهم الأولون من الآية تكليف ما لا يستطاع فحكموا بالنسخ وقد رد عليهم وذلك قوله: * (لا يكلف الله نفسا إلا وسعها) * وإنما قوله * (حق تقاته) * كقوله حق جهاده الحق ها هنا بمعنى الحقيقة ثم إن هفوة المذنب لا تنافي ان يكون مكلفا للتحفظ وإنما شرع الاستغفار والتوبة بوقوع الهفوات.
وقال أبو جعفر النحاس: (معنى قول الأولين نسخت هذه الآية أي أنزلت الأخرى بنسختها وهما واحد وإلا فهذا لا يجوز أن ينسخ لأن الناسخ هو المخالف للمنسوخ من جميع جهاته الرافع له المزيل حكمه).
وقال ابن عقيل: ليست منسوخة لأن قوله: * (ما استطعتم) * بيان لحق تقاته وأنه تحت الطاقة فمن سمى بيان القرآن نسخا فقد أخطأ وهذا في تحقيق الفقهاء يسمى:
تفسير مجمل أو بيان مشكل وذلك أن القوم ظنوا أن ذلك تكليف ما لا يطاق فأزال الله أشكالهم فلو قال: لا تتقوه حق تقاته كان نسخا وإنما بين أني لم أرد بحق التقاة ما ليس في الطاقة.
ذكر الآية الثامنة:
قوله تعالى: * (لن يضروكم إلا أذى) * قال جمهور المفسرين: معنى الكلام: لن يضروكم ضرا باقيا في جسد أو مال إنما هو شئ يسير سريع الزوال وتثابون عليه.