والثالث: أنها نزلت في أهل الكتاب آمنوا بالنبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يبعث ثم كفروا به.
رواه عطية عن ابن عباس وبه قال الحسن. وقوله: * (كيف يهدي الله قوما كفروا) * استفهام في معنى الجحد أي: لا يهديهم الله وفيه طرف من التوبيخ كما يقول الرجل لعبده كيف أحسن إلى من لا يطيعني أي: لست أفعل ذلك والمعنى: أنه لا يهدي من عاند بعد أن بان له الصواب وهذا محكم لدخول النسخ عليه وقد زعم قوم منهم السدي أن هذه الآيات منسوخات بقوله: (إلا الذين تابوا من بعد ذلك) *.
أخبرنا المبارك بن علي قال: أبنا أحمد بن الحسين بن قريش قال: أبنا إبراهيم بن عمر البرمكي قال: أبنا محمد بن إسماعيل بن العباس قال: أبنا أبو بكر بن أبي داود قال: بنا محمد بن الحسين قال: بنا أحمد بن الفضل قال: بنا أسباط عن السدي * (كيف يهدي الله قوما كفروا) * قال نزلت في الحارث ثم أسلم فنسخها الله عز وجل فقال: * (إلا الذين تابوا من بعد ذلك وأصلحوا) *.
قلت: وقد بينا فيما تقدم أن الاستثناء ليس بنسخ وإنما هو مبين أن اللفظ الأول لم يرد به العموم وإنما المراد به من عاند ولم يرجع إلى الحق بعد وضوحه ويؤكد هذا أن الآيات خبر والنسخ لا يدخل على الأخبار بحال.
ذكر الآية السادسة:
قوله تعالى: * (ولله على الناس حج البيت) *.
قال السدي: هذا الكلام تضمن وجوب الحج الخلق الغني والفقير والقادر والعاجز ثم نسخ في حق عادم الاستطاعة بقوله: * (من استطاع إليه سبيلا) *.
قلت: وهذا قول قبيح وإقدام بالرأي الذي لا يستند إلى معرفة اللغة العربية التي نزل بها القرآن على الحكم بنسخ القرآن وإنما الصحيح ما قاله النحويون كافة في هذه