تفسير البغوي - البغوي - ج ٤ - الصفحة ٣٥٤
التغابن الآية 14 16 14 قوله عز وجل (يا أيها الذين آمنوا إن من أزواجكم وأولادكم عدوا لكم فاحذروهم) قال ابن عباس هؤلاء رجال من أهل مكة أسلموا وأرادوا أن يهاجروا إلى المدينة فمنعهم أزواجهم وأولادهم وقالوا صبرنا على إسلامكم فلا نصبر على فراقكم فأطاعوهم وتركوا الهجرة فقال تعالى (فاحذروهم) أن تطيعوهم وتدعو الهجرة (وإن تعفوا وتصفحوا وتغفروا فإن الله غفور رحيم) هذا فيمن أقام على الأهل والولد ولم يهاجر فإذا هاجر رأى الذين سبقوه بالهجرة وقد فقهوا في الدين هم أن يعاقب زوجته وولده الذين ثبطوه عن الهجرة وإن لحقوا في دار الهجرة لم ينفق عليهم ولم يصبهم بخير فأمرهم الله عز وجل بالعفو عنهم والصفح وقال عطاء بن يسار نزلت في عوف بن مالك الأشجعي كان ذا أهل وولد وكان إذا أراد الغزو بكوا إليه ورققوه وقالوا إلى من تدعنا فيرق لهم ويقيم فأنزل الله (إن من أزواجكم وأولادكم عدوا لكم) بحملهم إياكم على ترك الطاعة فاحذروهم أن تقبلوا منهم (وإن عفوا وتصفحوا وتغفروا) فلا تعاقبوهم على خلافهم إياكم فالله غفور رحيم 15 (إنما أموالكم وأولادكم فتنة) بلاء واختبار وشغل عن الآخرة يقع بسببها الإنسان في العظائم ومنع الحق وتناول الحرام (والله عنده أجر عظيم) قال بعضهم لما ذكر الله العداوة أدخل فيه من للتبعيض فقال إن من أزواجكم وأولادكم عدوا لكم لأن كلهم ليسوا بأعداء ولم يذكر من في قوله (إنما أموالكم وأولادكم فتنة) لأنها لا تخلو عن الفتنة واشتغال القلب وكان عبد الله بن مسعود يقول لا يقولون أحدكم اللهم إني أعوذ بك من الفتنة فإنه ليس منكم أحد يرجع إلى مال وأهل وولد إلا وهو مشتمل على فتنة ولكن ليقل اللهم إني أعوذ بك من مضلات الفتن أخبرنا أبو منصور محمد بن عبد الملك المظفري أنا أبو سعيد أحمد بن محمد بن الفضل الفقيه أنا أبو الحسن أحمد بن إسحاق الفقيه ثنا أحمد بن بكر بن سيف ثنا علي بن الحسن أنا الحسين بن واقد عن عبد الله بن بريدة قال سمعت أبا بريدة يقول كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطبنا فجاء الحسن والحسين وعليهما قميصان أحمران يمشيان ويعثران فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المنبر فحملهما فوضعهما بين يديه ثم قال صدق الله (إنما أموالكم وأولادكم فتنة) نظرت إلى هذين الصبيين يمشيان ويعثران فلم أصبر حتى قطعت حديثي ورفعتهما 16 (فاتقوا الله ما استطعتم) أي أطقتم هذه الآية ناسخة لقوله تعالى (اتقوا الله حق تقاته) (واسمعوا وأطيعوا) الله ورسوله (وأنفقوا خيرا لأنفسكم) أي أنفقوا من أموالكم خيرا لأنفسكم (ومن يوق شح نفسه) حتى يعطي حق الله من ماله (فأولئك هم المفلحون)
(٣٥٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 349 350 351 352 353 354 355 356 357 358 359 ... » »»