لهم إن الله تعالى أرسلني إليكم وإلى من ورائكم فاسمعوا أيها القوم رسالة ربكم لتبلغوا صاحبكم فارجعوا إليه وقولوا له إن الله تعالى يقول لك ألست تعلم يا آجب إني أنا الله لا إله إلا أنا إله بني إسرائيل الذي خلقهم ورزقهم وأحياهم وأماتهم فجهلك وقلة علمك حملك على أن تشرك بي وتطلب الشفاء لابنك من غيري ممن لا يملكون لأنفسهم شيئا إلا ما شئت إني حلفت باسمي لأغضبنك في ابنك ولأميتنه في فوره غدا حتى تعلم أن أحدا لا يملك له شيئا دوني فلما قال لهم هذا رجعوا وقد ملؤا منه رعبا فلما صاروا إلى الملك أخبروه بأن إلياس قد انحط عليهم وهو رجل نحيف طوال قد نحل وتمعط شعره وتقشر جلده عليه جبة من شعر وعباءة قد خللها على صدره بخلال فاستوقفنا فلما صار معنا قذف له في قلوبنا الهيبة والرعب فانقطعت ألسنتنا ونحن في هذا العدد الكثير فلم نقدر على أن نكلمه ونراجعه حتى رجعنا إليك وقصوا عليه كلام إلياس فقال آجب لا ننتفع بالحياة ما كان إلياس حيا ما يطاق إلا بالمكر والخديعة فقيض له خمسين رجلا من قومه ذوي القوة والبأس وعهد إليهم عهده وأمرهم بالاحتيال له والإغتيال به وأن يطمعوه في أنهم قد آمنوا به هم ومن وراءهم ليستنهم إليهم ويغتر بهم فيمكنهم من نفسه فيأتون به ملكهم فانطلقوا حتى ارتقوا ذلك الجبل الذي فيه إلياس ثم تفرقوا فيه ينادونه بأعلى أصواتهم ويقولون يا نبي الله ابرز لنا وامنن علينا بنفسك فإنا قد آمنا بك وصدقناك ولمكنا آجب وجميع قومنا وأنت آمن على نفسك وجميع بني إسرائيل يقرؤون عليك السلام ويقولون قد بلغتنا رسالتك وعرفنا ما قلت فآمنا بك وأجبناك إلى ما دعوتنا فهلم إلينا وأقم بين أظهرنا وأحكم فينا فإنا ننقاد لما أمرتنا وننتهي عما نهيتنا وليس يسعك أن تتخلف عنا مع إيماننا وطاعتنا فارجع إلينا وكل هذا منهم مماكرة وخديعة فلما سمع إلياس مقالتهم وقعت في قلبه وطمع في إيمانهم وخاف الله إن هو لم يظهر لهم فألهمه الله التوقف والدعاء فقال اللهم إن كانوا صادقين فيما يقولون فأذن لي في البروز إليهم وإن كانوا كاذبين فاكفنيهم وارمهم بنار تحرقهم فما استتم قوله حتى حصبوا بالنار من فوقهم فاحترقوا أجمعون قاله وبلغ آجب وقومه الخبر فلم يرتدع من همه بالسوء واحتال ثانيا في أمر إلياس وقيض له فئة أخرى مثل عدد أولئك أقوى منهم وأمكن من الحيلة والرأي فأقبلوا أي حتى توقلوا أي صعدوا قلل تلك الجبال متفرقين وجعلوا ينادون يا نبي الله إنا نعوذ بالله وبك من غضب الله وسطواته إنا لسنا كالذين أتوك قبلنا وإن أولئك فرقة نافقوا فصاروا إليك ليكيدوا بك ولو علمنا بهم لقتلناهم ولكفيناك مؤنتهم فالآن قد كفاك ربك أمرهم وأهلكهم وانتقم لك منهم فلما سمع إلياس مقالتهم دعا الله بدعوته الأولى فأمطر عليهم النار فاحترقوا عن آخرهم وفي كل ذلك ابن الملك في البلاء الشديد من وجعه فلما سمع الملك بهلال أصحابه ثانيا ازداد غضبا على غضب وأراد أن يخرج في طلب إلياس بنفسه إلا أنه شغله عن ذلك مرض ابنه فلم يمكنه فوجه نحو إلياس المؤمن الذي هو كاتب امرأته رجاء أن يأنس به إلياس فينزل معه وأظهر للكاتب أنه لا يريد بإلياس سواء وإنما أظهر له لما طلع عليه من إيمانه وكان الملك مع اطلاعه على إيمانه مثنيا عليه لما هو عليه من الكفاية والأمانة وسداد الرأي فلما وجه نحوه أرسل معه فئة من أصحابه وأوعز إلى الفئة دون الكاتب أن يوثقوا إلياس ويأتوا به إن أراد التخلف عنهم وإن جاء مع الكاتب واثقا به لم
(٣٨)