تفسير البغوي - البغوي - ج ٣ - الصفحة ٣٥١
سورة النور من الآية 43 وحتى الآية 45 برد) يعني ينزل البرد و (من) صلة وقيل معناه وينزل من السماء من جبال أي مقدار جبال في الكثرة من البرد و (من) في قوله (من جبال) صلة أي وينزل من السماء جبالا من برد وقيل معناه وينزل من جبال في السماء تلك الجبال من برد وقال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أخبر الله عز وجل أن في السماء جبالا من برد ومفعول الإنزال محذوف تقديره وينزل من السماء من جبال فيها برد فاستغنى عن ذكر المفعول للدلالة عليه قال أهل النحو ذكر الله تعالى (من) ثلاث مرات في هذه الآية فقوله (من السماء) لابتداء الغاية لأن ابتداء الإنزال من السماء وقوله تعالى (من جبال) للتبعيض لأن ما ينزله الله تعالى بعض تلك الجبال التي في السماء وقوله تعالى (من برد) للتجنيس لأن تلك الجبال من جنس البرد (فيصيب به) يعني بالبرد (من يشاء) فيهلك زروعه وأمواله (ويصرفه عمن يشاء) فلا يضره (يكاد سنا برقه) يعني ضوء برق السحاب (يذهب بالأبصار) من شدة ضوئه وبريقه وقرأ أبو جعفر يذهب بضم الياء وكسر الهاء 44 (يقلب الله الليل والنهار) يصرفهما في اختلافهما وتعاقبهما يأتي بالليل ويذهب بالنهار ويذهب بالليل أخبرنا عبد الواحد المليحي أنا عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف أنا محمد بن إسماعيل أنا عبد الحميد أنا سفيان أنا الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الله تعالى \ يؤذيني ابن آدم يسب الدهر وأنا الدهر بيدي الأمر أقلب الليل والنهار \ قوله تعالى (إن في ذلك) يعني في ذلك الذي ذكرت من هذه الأشياء (لعبرة لأولي الأبصار) يعني دلالة لأهل العقول والبصائر على قدرة الله تعالى وتوحيده 45 قوله تعالى (والله خلق كل دابة) قرأ حمزة والكسائي (خالق كل) بالإضافة وقرأ الآخرون (خلق كل) على الفعل (من ماء) يعني من نطفة وأراد به كل حيوان يشاهد في الدنيا ولا يدخل فيه الملائكة ولا الجن لأنا لا نشاهدهم وقيل أصل جميع الخلق من الماء وذلك أن الله تعالى خلق ماء ثم جعل بعضه ريحا فخلق منها الملائكة وبعضه نارا فخلق منها الجن وبعضها طينا فخلق منها آدم (فمنهم من يمشي على بطنه) كالحيات والحيتان والديدان (ومنهم من يمشي على رجلين) مثل بني آدم والطير (ومنهم من يمشي على أربع) كالبهائم والسباع ولم يذكر من يمشي على أكثر من أربع مثل حشرات الأرض لأنها في الصورة كالتي يمشي على الأربع وإنما قال (من يمشي) و (من) إنما تستعمل فيمن يعقل دون من لا يعقل من الحيات والبهائم لأنه ذكر كل دابة فدخل فيه الناس
(٣٥١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 346 347 348 349 350 351 352 353 354 355 356 ... » »»