تفسير البغوي - البغوي - ج ٣ - الصفحة ٣٤٦
سورة النور الآية 36 وقيل شبهه بالكوكب ولم يشبهه بالشمس والقمر لأن الشمس والقمر يلحقهما الخسوف والكواكب لا يلحقها الخسوف (يوقد) قرأ أبو جعفر وابن كثير وأبو عمرو ويعقوب (توقد) بالتاء وفتحها وفتح الواو والدال أو تشديد القاف على الماضي يعني المصباح أي اتقد يقال توقدت النار إذا اتقدت وقرأ أهل الكوفة غير حفص توقد بالتاء وضمها وفتح القاف خفيفا يعني الزجاجة أي نار الزجاجة لأن الزجاجة لا توقد وقرأ الآخرون بالياء وضمها خفيفا يعني المصباح (من شجرة مباركة زيتونة) أي من زيت شجرة مباركة فحذف المضاف بدليل قوله تعالى (يكاد زيتها يضيء) وأراد بالشجرة المباركة الزيتونة وهي كثيرة البركة وفيها منافع كثيرة لأن الزيت يسرج به وهو أضوأ وأصفى الأدهان وهو إدام وفاكهة ولا يحتاج في استخراجه إلى إعصار بل كل أحد يستخرجه وجاء في الحديث \ أنه مصحة من الباسور \ وهي شجرة تورق من أعلاها إلى أسفلها أخبرنا أبو الحسن السرخسي أنا زاهر بن أحمد أنا أبو الحسن القاسم بن بكر الطيالسي أنا أبو أمية الطوسي أنا ابن أبي قبيصة بن عقبة أنا سفيان الثوري عن عبد الله بن عيسى عن عطاء الذي كان بالشام وليس بابن أبي رباح عن أسد بن ثابت وأبي أسلم الأنصاري قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم \ كلوا الزيت وادهنوا به فإنه من شجرة مباركة \ قوله تعالى (لا شرقية ولا غربية) أي ليست شرقية وحدها حتى لا يصيبها الشمس إذا غربت ولا غربية وحدها فلا تصيبها الشمس بالغداة إذا طلعت بل هي ضاحية الشمس طول النهار تصيبها الشمس عند طلوعها وعند غروبها فتكون شرقية وغربية تأخذ حظها من الأمرين فيكون زيتها أضوأ وهذا كما يقال فلان ليس بأسود ولا بأبيض يريد ليس بأسود خالص ولا بأبيض خالص بل اجتمع فيه كل واحد منهما وهذا الرمان ليس بحلو ولا حامض أي اجتمعت فيه الحلاوة والحموضة هذا قول ابن عباس في رواية عكرمة والكلبي والأكثرين وقال السدي وجماعة معناه أنها ليست في مقناة لا تصيبها الشمس ولا في مضحاة لا يصيبها الظل فهي لا تضرها شمس ولا ظل وقيل معناه أنها معتدلة ليست في شرق يضرها الحر ولا في غرب يضرها البرد وقيل معناه هي شامية لأن الشام لا شرقي ولا غربيوقال الحسن ليست هذه من أشجار الدنيا ولو كانت في الدنيا لكانت شرقية أو غربية وإنما هو مثل ضربه الله لنوره (يكاد زيتها) دهنها (يضيء) من صفائه (ولو لم تمسسه نار) أي قبل أن تصيبه (نور على نور) يعني نور المصباح على نور الزجاجة واختلف أهل العلم في معنى هذا التمثيل فقال بعضهم وقع هذا التمثيل لنور محمد صلى الله عليه وسلم قال ابن عباس لكعب الأحبار أخبرني عن قوله تعالى (مثل نوره كمشكاة) فقال كعب هذا مثل ضربه الله لنبيه صلى الله عليه وسلم فالمشكاة صدره والزجاجة قلبه والمصباح فيه النبوة توقد من شجرة مباركة هي شجرة النبوة يكاد نور محمد وأمره يتبين للناس ولو لم يتكلم
(٣٤٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 341 342 343 344 345 346 347 348 349 350 351 ... » »»