تفسير البغوي - البغوي - ج ٣ - الصفحة ٣٤٧
أنه نبي كما يكاد ذلك الزيت يضيء ولو لم تمسسه نار وروى سالم عن ابن عمر في هذه الآية قال المشكاة جوف محمد والزجاجة قلبه والمصباح النور الذي جعله الله فيه لا شرقية ولا غربية ولا يهودي ولا نصراني توقد من شجرة مباركة إبراهيم نور على نور قلب إبراهيم ونور قلب صلى الله عليه وسلم وقال محمد صلى الله عليه وسلم وقال محمد بن كعب القرظي المشكاة إبراهيم والزجاجة إسماعيل والمصباح محمد صلوات الله عليهم أجمعين سماه الله مصباحا كما سماه سراجا فقال تعالى (وسراجا منيرا) توقد من شجرة مباركة وهي إبراهيم سماه مباركة لأن أكثر الأنبياء من صلبه لا شرقية ولا غربية يعني إبراهيم لم يكن يهوديا ولا نصرانيا ولكن كان حنيفا مسلما لأن اليهود تصلي قبل المغرب والنصارى تصلي قبل المشرق يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار تكاد محاسن محمد صلى الله عليه وسلم تظهر للناس قبل أن يوحى إليه نور على نور نبي من نسل نبي نور محمد على نور إبراهيم وقال بعضهم وقع هذا التمثيل لنور قلب المؤمن روى أبو العالية عن أبي بن كعب قال هذا مثل المؤمن فالمشكاة نفسه والزجاجة صدره والمصباح ما جعل الله فيه من الإيمان والقرآن في قلبه يوقد من شجرة مباركة وهي الإخلاص لله وحده فمثله كمثل الشجرة التي التف بها الشجر خضراء ناعمة لا تصيبها الشمس لا إذا طلعت ولا إذا غربت فكذلك المؤمن قد احترس من أن يصيبه شيء من الفتن فهو بين أربع خلال إن أعطي شكر وإن ابتلي صبر وإن حكم عدل ون قال صدق يكاد زيتها يضيء أي يكاد قلب المؤمن يعرف الحق قبل أن يتبين له لموافقته إياه نور على نور قال أبي فهو يتقلب في خمسة أنوار قوله (نور) وعمله نور ومدخله نور ومخرجه نور ومصيره إلى النور يوم القيامة قال ابن عباس هذا مثل نور الله وهداه في قلب المؤمن كما يكاد الزيت الصافي يضيء قبل أن تمسه النار فإذا مسته النار ازداد ضوءا على ضوئه كذلك يكاد قلب المؤمن يعمل بالهدى قبل أن يأتيه العلم فإذا جاءه العلم ازداد هدى على هدى ونورا على نور يعني إيمان المؤمن وعمله وقال السدي نور الإيمان ونور القرآن وقال الحسن وابن زيد هذا مثل القرآن فالمصباح هو القرآن فكما يستضاء بالمصباح يهتدى بالقرآن والزجاجة قلب المؤمن والمشكاة فمه ولسانه والشجرة المباركة شجرة الوحي (يكاد زيتها يضيء) تكاد حجة القرآن تتضح وإن لم يقرأ نور على نور يعني القرآن نور من الله لخلقه مع ما أقام لهم من الدلائل والإعلام قبل نزول القرآن فازداد بذلك نورا على نور قوله تعالى (يهدي الله لنوره من يشاء) يبين الله الأشياء للناس تقريبا للأفهام وتسهيلا لسبل الإدراك (والله بكل شيء عليم) 36 قوله (في بيوت أذن الله) أي ذلك المصباح في بيوت وقيل يوقد في بيوت والبيوت هي المساجد قال سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال المساجد بيوت الله في الأرض وهي تضيء لأهل السماء كما تضيء النجوم لأهل الأرض وروى صالح بن حيان عن ابن بريدة في قوله تعالى (في بيوت أذن الله) قال إنما هي أربعة مساجد لم يبنها إلا نبي الكعبة بناها إبراهيم وإسماعيل فجعلاها قبلة وبيت المقدس بناه داود وسليمان ومسجد المدينة بناه رسول الله صلى الله عليه وسلم
(٣٤٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 342 343 344 345 346 347 348 349 350 351 352 ... » »»