تفسير البغوي - البغوي - ج ٣ - الصفحة ٣٤٣
وذهب بعض أهل العلم إلى أن قوله تعالى (فكاتبوهم) أمرا يجب على المولى أن يكاتب عبده الذي علم فيه خيرا إذا سأل العبد ذلك على قيمته أو أكثر وإن سأل على أقل من قيمته فلا يجب وهو قول عطاء وعمرو بن دينار ولما روي أن سيرين سأل أنس بن مالك أن يكاتبه فتلكأ عنه فشكا إلى عمر فعلاه بالدرة وأمره بالكتابة فكاتبه وذهب أكثر أهل العلم إلى أنه أمر ندب واستحباب ولا تجوز الكتابة على أقل من نجمين عند الشافعي لأنه عقد جوز إرفاقا بالعبد ومن تتمة الإرفاق أن يكون ذلك المال عليه إلى أجل حتى يؤديه على مهل فيحصل المقصود كالدية في قتل الخطأ وجبت على العاقلة على سبيل المواساة فكانت عليهم مؤجلة منجمة وجوز أبو حنيفة الكتابة على نجم واحد وحالة قوله تعالى (إن علمتم فيهم خيرا) اختلفوا في معنى الخير فقال ابن عمر قوة على الكسب وهو قول مالك والثوري وقال الحسن ومجاهد والضحاك مالا كقوله تعالى (إن ترك خيرا) أي مالا وروي أن عبدا لسلمان الفارسي قال له كاتبني قال ألك مال قال لا قال تريد أن تطعمني من أوساخ الناس ولم يكاتبه قال الزجاج لو أراد به المال لقال إن علمتم لهم خيرا وقال إبراهيم وابن زيد وعبيدة صدقا وأمانة وقال طاوس وعمر وابن دينار مالا وأمانة وقال الشافعي وأظهر معاني الخير في العبد الاكتساب مع الأمانة فأحب أن لا يمنع من كتابته إذا كان هكذا أخبرنا أبو الحسن علي بن يوسف الجويني أنا أبو الحسن بن علي بن شريك الشافعي أنا عبد الله بن محمد بن مسلم أنا أبو بكر الجورمندي أنا يونس بن عبد الأعلى أنا ابن وهب أخبرني الليث عن محمد بن عجلان عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال \ ثلاثة حق على الله عونهم المكاتب الذي يريد الأداء والناكح يريد العفاف والمجاهد في سبيل الله \ وحكى محمد بن سيرين عن عبيدة إن علمتم فيهم خيرا أي أقاموا الصلاة وقيل هو أن يكون العبد بالغا عاقلا فأما الصبي والمجنون فلا تصح كتابتهما لأن الابتغاء منهما لا يصح وجوز أبو حنيفة كتابة الصبي المراهق قوله سبحانه وتعالى (وآتوهم من مال الله الذي آتاكم) اختلفوا فيه فقال بعضهم هذا خطاب للموالي يجب على المولى أن يحط عن مكاتبه من مال كتابته شيئا وهو قول عثمان وعلي والزبير وجماعة وبه قال الشافعي ثم اختلفوا في قدره فقال قوم يحط عنه ربع مال الكتابة وهو قول علي ورواه بعضهم عن علي مرفوعا وع ابن عباس رضي الله تعالى عنهما يحط عنه الثلث وقال الآخرون ليس له حد بل عليه أن يحط عنه ما شاء وهو قول الشافعي قال نافع كاتب عبد الله بن عمر غلاما له على خمسة وثلاثين ألف درهم فوضع عنه من آخر كتابته خمسة آلاف درهم وقال سعيد بن جبير كان ابن عمر إذا كاتب مكاتبه لم يضع عنه شيئا من أول نجومه مخافة أن يعجز فيرجع إليه صدقته ويضع من آخر كتابته ما أحب وقال بعضهم هو أمر استحباب والوجوب أظهر قوم أراد بقوله وآتوهم من مال الله أي سهمهم الذي جعله الله لهم من الصدقات المفروضات بقوله تعالى (وفي الرقاب) وهو قول الحسن وزيد بن أسلم وقال إبراهيم هو حث لجميع الناس على معونتهم ولو مات المكاتب قبل أداء النجوم اختلف أهل العلم فيه فذهب كثير منهم إلى أنه يموت رقيقا وترتفع الكتابة سواء ترك مالا أو لم يترك كما لو تلف المبيع قبل
(٣٤٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 338 339 340 341 342 343 344 345 346 347 348 ... » »»