تفسير البغوي - البغوي - ج ٣ - الصفحة ٣٤٥
45 قوله تعالى (ولقد أنزلنا إليكم آيات مبينات) من الحلال والحرام (ومثلا من الذين خلقوا قبلكم) أي شبها من حالكم بحالهم أيها المكذبون وهذا تخويف لهم أن يلحقهم ما لحق من قبلهم من المكذبين (وموعظة للمتقين) للمؤمنين الذين يتقون الشرك والكبائر 35 قوله تعالى (الله نور السماوات والأرض) قال ابن عباس هادي أهل السماوات والأرض فهم بنوره إلى الحق يهتدون وبهداه من الضلاة ينجون وقال الضحاك منور السماوات والأرض يقال نور السماء بالملائكة ونور الأرض بالأنبياء وقال مجاهد مدبر الأمور في السماوات والأرض وقال أبي بن كعب والحسن وأبو العالية مزين السماوات والأرض زين السماء بالشمس والقمر والنجوم وزين الأرض بالأنبياء والعلماء والمؤمنين ويقال بالنبات والأشجار وقيل معناه الأنوار كلها منه كما يقال فلان رحمة أي منه الرحمة وقد يذكر مثل هذا اللفظ على طريق المدح كما قال القائل شعر (إذا سار عبد الله عن مر وليلة فقد سار منها نورها وجمالها) قوله تعالى (مثل نوره) أي مثل نور الله تعالى في قلب المؤمن وهو النور الذي يهتدي به كما قال فهو على نور من ربه وكان ابن مسعود يقرأ مثل نوره في قلب المؤمن وقال سعيد بن جبير عن ابن عباس مثل نوره الذي أعطى المؤمن وقال بعضهم الكناية عائدة إلى المؤمن أي مثل نور قلب المؤمن وكان أبي يقرأ (مثل نور من آمن به) وهو عبد جعل الإيمان والقرآن في صدره وقال الحسن وزيد بن أسلم أراد بالنور القرآن وقال سعيد بن جبير والضحاك هو محمد صلى الله عليه وسلم وقيل أراد بالنور الطاعة سمى طاعة الله نورا وأضاف هذه الأنوار إلى نفسه تفضيلا (كمشكاة) وهي الكوة التي لا منفذ لها فإن كان لها منفذ فهي كوة وقيل المشكاة حبشية قال مجاهد هي القنديل (فيها مصباح) أي سراج أصله من الضوء ومنه الصبح ومعناه كمصباح في مشكاة (المصباح في زجاجة) يعني القنديل قال الزجاج إنما ذكر الزجاجة لأن النور وضوء النار فيها أبين من كل شيء وضوء يزيد في الزجاج ثم وصف الزجاجة فقال (الزجاجة كأنها كوكب دري) قرأ أبو عمر والكسائي (درىء) بكسر الدال والهمزة وقرأ حمزة وأبو بكر بضم الدال والهمزة فمن كسر الدال فهو فعيل من الدرء وهو الدفع لأن الكوكب يدفع الشياطين من السماء وشبهه بحالة الدفع لأنه يكون في تلك الحالة أضوأ وأنور ويقال هو من درأ الكوكب إذا اندفع منقبضا فيتضاعف ضوءه في ذلك الوقت وقيل دري مكرر أي طالع يقال درأ النجم إذا طلع وارتفع ويقال درأ علينا فلان أي طلع وظهر فأما رفع الدال مع الهمزة كما قرأ حمزة قال أكثر النحاة هو لحن لأنه ليس في كلام العرب فعيل بضم الفاء وكسر العين قال أبو عبيدة وأنا أرى لها وجها وذلك أنها دروء على وزن فعول مثل سبوح وقدوس وقد استثقلوا كثرة الضمات فردوا بعضها إلى الكسر كما قالوا عتيا وهو فعول من عتوت وقرأ الآخرون (دري) بضم الدال وتشديد الياء بلا همز أي شديد الإنارة نسبت إلى الدر في صفائه وحسنه وإن كان الكوكب أكثر ضوءا من الدر لكنه يفضل الكواكب بضيائه كما يفضل الدر سائر الحب وقيل الكوكب الدري واحد من الكواكب الخمسة العظام وهي زحل والمريخ والمشتري والزهرة وعطارد
(٣٤٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 340 341 342 343 344 345 346 347 348 349 350 ... » »»