تفسير البغوي - البغوي - ج ٢ - الصفحة ٤٠
وكيف يجعلونك حكما بينهم فيرضون بحكمك وعندهم التوراة (فيها حكم الله) وهو الرجم (ثم يتولون من بعد ذلك وما أولئك بالمؤمنين) أي بمصدقين لك سورة المائدة (44) قوله عز وجل (إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور يحكم بها النبيون الذين أسلموا) أي اسلموا وانقادوا لأمر الله تعالى كما أخبر عن إبراهيم عليه السلام (إذ قال له ربه أسلم قال أسلمت لرب العالمين) وكما قال (وله أسلم من في السماوات والأرض طوعا وكرها) وأراد بهم النبيين الذين بعثوا من بعد موسى عليه السلام ليحكموا بما في التوراة وقد أسلموا لحكم التوراة وحكموا بها فإن من النبيين من لم يؤمر بحكم التوراة منهم عيسى عليه السلام قال الله سبحانه وتعالى (لكل جعلنا منك شرعة ومنهاجا) وقال الحسن والسدي أراد به محمدا صلى الله عليه وسلم حكم على اليهود بالرجم ذكر بلفظ الجمع كما قال (إن إبراهيم كان أمة قانتا) وقوله تعالى (للذين هادوا) قيل فيه تقديم وتأخير تقديره فيها هدى ونور للذين هادوا ثم قال يحكم بها النبيون الذين أسلموا والربانيون وقيل هو على موضعه ومعناه يحكم بها النبيون الذين أسلموا على الذين هادوا كما قال (وإن أسأتم فلها) أي فعليها وكما قال (أولئك لهم اللعنة) وقيل فيه حذف كأنه قال للذين هادوا وعلى الذين هادوا فحذف أحدهما اختصارا (والربانيون والأحبار) يعني العلماء واحدها حبر وحبر بفتح الحاء وكسرها والكسر أفصح وهو العالم المحكم في الشيء قال الكسائي وأبو عبيدة هو ممن الحبر الذي يكتب به وقال قطرب هو من الحبر الذي هو بمعنى الجمال بفتح الحاء وكسرها وفي الحديث يخرج من النار رجل قد ذهب حبره وسبره أي حسنه وهيأته ومنه التحبير وهو التحسين فسمى العالم حبرا لما عليه من جمال العلم وبهائه وقيل الربانيون ههنا من النصارى والأحبار من اليهود قوله عز وجل (بما استحفظوا من كتاب الله) أي استودعوا من كتاب الله (وكانوا عليه شهداء) أنه كذلك (فلا تخشوا الناس واخشون ولا تشتروا بآياتي ثمنا قليلا ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون) قال قتادة والضحاك نزلت هذه الآيات الثلاث في اليهود دون ممن أساء من هذه الأمة روى عن البراء بن عازب رضي الله عنه في قوله (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون) والظالمون والفاسقون كلها في الكافرين وقيل هي على الناس كلهم وقال ابن عباس
(٤٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 ... » »»