تفسير البغوي - البغوي - ج ٢ - الصفحة ٢٩
السلام فنزلت نار من السماء وأكلت قربان هابيل ولم تأكل قربان قابيل فذلك قوله عز وجل (فتقبل من أحدهما) يعني هابيل (ولم يتقبل من الآخر) يعني قابيل فنزلوا على الجبل وقد غضب قابيل لرد قربانه وكان يضممر الحسد في نفسه إلى أن أتى آدم مكة لزيارة البيت فلما غاب آدم أتى قابيل هابيل وهو في غنمه (قال لأقتلنك) قال لأن الله تعالى قبل قربانك ورد قرباني وتنكح أختي الحسناء وأنكح أختك الدميمة فيتحدث الناس أنك خير مني ويفتخر ولدك على ولدي (قال) هابيل وما ذنبي (إنما يتقبل الله من المتقين) سورة المائدة (28) (6 لئن بسطت) أي مددت (إلي يدك لتقتلني ما أنا بباسط يدي إليك لأقتلك إني أخاف الله رب العالمين) قال عبد الله بن عمر وأيم الله إن كان المقتول لأشد الرجلين ولكن منعه التحرج أن يبسط إلى أخيه يده وهذا في الشرع جائز لمن أريد قتله أن ينقاد ويستسلم طلبا للأجر فعل عثمان رضي الله عنه قال مجاهد كتب الله في ذلك الوقت إذا أراد رجل قتل رجل أن يمتنع ويصبر سورة المائدة (29) (إني أريد أن تبوء) ترجع وقيل تحمل (بأثمي وأثمك) أي بإثم قتلي إلى إثممك أي إثم معاصيك التي عملت من قبل هذا قول أكثر المفسرين وروى ابن أبي نجيح عن مجاهد قال معناه إلإني أريد أن يكون عليك خطيئتي التي عملتها أنا إذا قتلني وإثمك فتبوء بخطيئتي ودمي جميعا وقيل معناه أن ترجع بإثم قتلي وإثم معصيتك التي لم يتقبل لأجلها قربانك أو إثم حسدك فإن قيل كيف قال إني أريد أن تبوء بإثمي وإثمك وإرادة القتل والمعصية لا تجوز قيل ذلك ليس بحقيقة إرادة ولكنه لما علم أنه يقتله لا محالة وطن نفسه على الاستسلام طلبا للثواب فكأنه صار مريدا لقتله مجازا وإن لم يكن مريدا حقيقة وقيل معناه إني إريد أن تبوء بعقاب قتلي فيكون إرادة صحيحة لأنها موافقة لحكم الله عز وجل فلا يكون هذا إرادة للقتل بل لموجب القتل من الإثم والعقاب (فتكون من أصحاب النار وذلك جزاء الظالمين) سورة المائدة (30) قوله عز وجل (فطوعت له نفسه) أي طاوعته وشايعته وعاونته (قتل أخيه) في قتل أخيه وقال مجاهد فشجعته وقال قتادة فزينت له نفسه وقال يمان سهلت له ذلك أي جعلته سهلا تقديره صورت له نفسه أن قتل أخيه طوع له أي سهل عليه فقتله فلما قصد قابيل قتله لم يدر كيف يقتله قال ابن جريح فتمثل له إبليس وأخذ طيرا فوضع رأسه على حجر ثم شدخ رأسه بحجر آخر وقابيل ينظر إليه فعلمه القتل فرضخ قابيل رأس هابيل بين حجرين قيل قتل وهو مستسلم وقيل
(٢٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 ... » »»