تفسير البغوي - البغوي - ج ٢ - الصفحة ١٧١
(قصة عاد) ما ذكر محمد بن إسحاق وغيره أنهم كانوا ينزلون اليمن وكانت مساكنهم بالأحقاف وهي رمال بين عمان وحضرموت وكانوا قد فشوا في الأرض كلها وقهروا أهلها بفضل قوتهم التي آتاهم الله عز وجل وكانوا أصحاب أوثان يعبدونها لهم صنم يقال له صداء وصنم يقال له صمود وصنم يقال له الهباء فبعث الله إليهم هودا نبيا وهو من أوسطهم نسبا وأفضلهم حسبا فأمرهم أن يوحدوا الله ويكفوا عن ظلم الناس لم يأمرهم بغير ذلك فكذبوه وقالوا من أشد منا قوة وبنو المصانع وبطشوا بطشة الجبارين فلما فعلوا ذلك أمسك الله عنهم المطر ثلاث سنين حتى جهدهم ذلك وكان الناس في ذلك الزمان إذا نزل بهم بلاء فطلبوا الفرج كانت طلبتهم إلى الله عز وجل عند بيته الحرام بمكة مسلمهم ومشركهم فيجتمع بمكة ناس كثير شتى مختلفة أديانهم وكلهم معظم لمكة وأهل مكة يومئذ العماليق سموا عماليق لأن أباهم عمليق بن لاذ بن سام بن نوح وكان سيد العماليق إذ ذاك بمكة رجل يقال له معاوية بن بكر وكانت أم معاوية كلهدة بنت الخيبري رجل نم عاد فلما قحط المطر عن عاد وجهدوا قالوا جهزوا وافدا منكم إلى مكة فليستسقوا لكم فبعثوا قيل بن عنز ونعيم بن هزال من هزيل وعقيل بن صندين بن عاد الكبر ومرثد بن سعد بن عفير وكان مسلما يكتم إسلامه وجلهمة بن الخيبري خال معاوية بن بكر ثم بعثوا لقمان بن عاد الأصغرين صندين بن عاد الأكبر فانطلق كل رجل من هؤلاء ومعه رهط من قومه حتى بلغ عدد وفدهم سبعين رجلا فلما قدموا مكة نزلوا على معاوية بن بكر وهو بظاهر مكة خارجا من الحرم فأنزلهم وأكرمهم وكانوا أخواله وأصهاره فأقاموا عنده شهرا يشربون الخمر وتغنيهم الجرادتان وهما قينتان لمعاوية بن بكر وكان مسيرهم شهرا ومقامهم شهرا فلما رأى معاوية بن بكر طول مقامهم وقد بعثهم قومهم يتغوثون بهم من البلاء الذي أصابهم شق ذلك عليه وقال هلك أخوالي وأصهاري وهؤلاء مقيمون عندي وهم ضيفي والله ما أدري كيف أصنع بهم استحي أن آمرهم بالخروج إلى ما بعثوا إليه فيظنون أنه ضيق مني بمقامهم عندي وقد هلك من وراءهم من قومهم جهدا وعطشا فشكا ذلك من أمرهم إلى فينتيه الجرادتين فقالتا قل شعرا نغنهم به لا يدرون من قاله لعل ذلك أن يحركهم فقال معاوية بن بكر (ألا يا قيل ويحك قم فهينم لعل الله يسقينا غماما فيسقي ارض عاد أن عادا قد أمسوا لا يبينون الكلاما من العطش الشديد فليس نرجو به الشيخ الكبير ولا الغلاما وقد كانت نساؤهم بخير فقد أمست نساؤهم أيامى وإن الوحش تأتيهم جهارا فلا تخشى لعادي سهاما وأنتم ههنا فيما اشتهيتم نهاركمو وليلكمو تماما فقبح وفدكم من وفد قوم ولا لقوا التحية والسلاما) فلما غنتهم الجرادتان هذا قال بعضهم لبعض يا قوم إنما بعثكم قومكم يتغوثون بكم من البلاء الذي نزل بهم وقد أبطأتم عليهم فأدخلوا هذا الحرم فاستسقوا لقومكم فقال مرثد بن سعد بن عفير وكان قد آمن بهود
(١٧١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 166 167 168 169 170 171 172 173 174 175 176 ... » »»