تفسير البغوي - البغوي - ج ٢ - الصفحة ١٢٨
بالتشديد فيهن وقرأ الآخرون بالتخفيف (فأحييناه) أي كان ضالا فهديناه كان ميتا بالكفر فأحييناه بالإيمان (وجعلنا له نورا) يستضيء به (ويمشي به في الناس) على قصد السبيل قيل النور هو الإسلام لقوله تعالى (يخرجهم من الظلمات إلى النور) وقال قتادة هو كتاب الله بينة من الله مع المؤمن بها يعمل وبها يأخذ وإليها ينتهي (كمن مثله في الظلمات) المثل صلة أي كمن هو في الظلمات (ليس بخارج منها) يعني من ظلمة الكفر قيل نزلت هذه الآية في رجلين بأعيانهما ثم اختلفوا فيهما قال ابن عباس جعلنا له نورا يريد حمزة بن عبد المطلب كمن مثله في الظلمات يريد أبا جهل بن هشام وذلك أن أبا جهل رمى رسول الله صلى الله عليه وسلم بفرث فأخبر حمزة بما فعل أبو جهل وهو راجع من قنصه وبيده قوس وحمزة لم يؤمن بعد فأقبل غضبان حتى رمى أبا جهل بالقوس وهو يتضرع إليه ويقول يا أبا يعلى أما ترى ما جاء به سفه عقولنا وسب آلهتنا وخالف آباءنا فقال حمزة ومن أسفه منكم تعبدون الحجارة من دون الله أشهد أن لا إله إلا الله وأشد أن محمدا عبده ورسوله فأنزل الله هذه الآية وقال الضحاك نزلت في عمر بن الخطاب وأبي جهل وقال عكرمة والكلبي نزلت في عمار بن ياسر وأبي جهل (كذلك زين للكافرين ما كانوا يعملون) من الكفر والمعصية قال ابن عباس يريد زين لهم الشيطان عبادة الأصنام سورة الأنعام (123 124) تفسير البغوي ج 2 / محيي الدين البغوي قوله عز وجل (وكذلك جعلنا في كل قرية أكابر مجرميها) أي كما أن فساق مكة أكابرها كذلك جعلنا فساق كل قرية أكابرها أي عظماءها جمع أكبر مثل أفضل وأفاضل وأسود وأساود وذلك سنة الله تعالى أنه جعل في كل قرية اتباع الرسل ضعفاءهم كما قال في قصة نوح عليه السلام (أنؤمن لك واتبعك الأرذلون) وجعل فساقهم أكابرهم (ليمكروا فيها) وذلك أنه أجلسوا على كل طريق من طرق مكة أربعة نفر ليصرفوا الناس عن الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم يقولون لكل من يقدم إياك وهذا الرجل فإنه كاهن ساحر كذاب (وما يمكرون إلا بأنفسهم) لأن وبال مكرهم يعود عليه (وما يشعرون) أنه كذلك قوله تعالى (وإذا جاءتهم آية قالوا لن نؤمن حتى نؤتي مثل ما أوتي رسل الله) يعني مثل ما أوتي رسل الله من النبوة وذلك أن الوليد بن المغيرة قال لو كانت النبوة حقا لكنت أولى بها منك لأني أكبر منك سنا وأكثر منك مالا فأنزل الله تعالى هذه الآية وقال مقاتل نزلت في أبي جهل وذلك أنه قال زاحمنا بنو عبد مناف في الشرف حتى إنا صرنا كفرسي رهان قالوا منا نبي يوحى إليه والله لا نؤمن به ولا
(١٢٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 123 124 125 126 127 128 129 130 131 132 133 ... » »»