إبراهيم عليه السلام وهو في السرب قال لأمه من ربي قالت أنا قال فمن ربك قالت أبوك قال فمن رب أبي قالت نمرود قال فمن ربه قالت له اسكت فسكت ثم رججعت إلى زوججها فقالت أرأيت الغلام الذي كنا نحدث أنه يغير دين أهل الرض فإنه ابنك ثم أخبرته بما قال فأتاه أبوه آزر فقال له إبراهيم عليه السلام يا أبتاه من ربي قال أمك قال ومن رب أمي قال أنا قال ومن ربك قال نمرود قال إنه قال لأبويه أخرجاني فأخرجاه من السرب وانطلقا به حين غابت الشمس فنظر إبراهيم إلى الإبل والخيل والغنم فسأل أباه ما هذه فقال إبل وخيل وغنم ما لهذه بد من أن يكون لها رب وخالق ثم نظر فإذا المشتري قد طلع ويقال الزهرة فكان تلك الليلة في آخر الشهر فتأخر طلوع القمر فيها فرأى الكوكب قبل القمر فذلك قوله عز وجل (فلما جن عليه الليل) أي دخل الليل يقال جن الليل وجنه الليل وأجن عليه الليل يجن جنونا وكسر الألف ويكسرهما ابن عامر وحمزة والكسائي وأبو بكر فإن اتصل بكاف أو هاء فتحهما ابن عامر وإن لقيهما ساكن كسر الراء وفتح الهمزة وحمزة وأبو بكر وفتحهما الآخرون (قال هذا ربي) واختلفوا في قوله ذلك فأجراه بعضهم على الظاهر وقالوا كان إبراهيم مسترشدا طالبا للتوحيد حتى وفقه الله وآتاه رشده فلم يضره ذلك في حال الاستدلال وأيضا كان ذلك في حال طفوليته قبل قيام الحجة عليه فلم يكن كفرا وأنكر الآخرون هذا القول وقالوا لا يجوز أن يكون لله رسول يأتي عليه وقت من الأوقات الإ وهو لله موحد وبه عارف ومن كل معبود سواه بريء وكيف يتوهم هذا على من عصمه الله وطهره وآتاه رشده من قبل وأخبره عنه وقال (إذ جاء ربه بقلب سليم) وقال (وكذلك نري إبراهيم ملكوت السماوات والأرض) أفتراه أراه الملكوت ليوقن فلما أيقن رأى كوكبا قال هذا ربي معتقدا فهذا ما لا يكون أبدا ثم قال فيه أربعة أوجه من التأويل أحدها أن إبراهيم أراد أن يستدرج القوم بهذا القول ويعرفهمم خطأهم وجهلهم في تعظيم ما عظموه وكانوا يعظمون النجوم ويعبدونها ويرون أن الأمور كلها إليها فأراهم أنه معظم ما عظموه وملتمس الهدى من حيث ما التمسوه فلما أفل أراهم النقص الداخل على النجوم ليثبت خطأ ما يدعون ومثل هذا مثل الحواري الذي ورد على قوم يعبدون الصنم فأظهر تعظيمه فأكرموه حتى صدوا في كثير من الأمور عن رأيه إلى أن دهمهم عدو فشاوروه في أمره فقال الرأي أن ندعوا هذا الصنم حتى يكشف عنا ما قد أظلنا فاجتمعوا حوله يتضرعون فلما تبين له أنه لا ينفع ولا يدفع دعاهم إلى أن يدعوا الله فدعوه فصرف عنهمم ما كانوا يحذرون فأسلموا والوجه الثاني من التأويل أنه قاله على وجه الاستفهام تقديره أهذا ربي كقوله تعالى (أفإن مت فهم الخالدون) أي أفهم الخالدون وذكره على وجه التوبيخ منكرا لفعلهم يعني أمثل هذا يكون ربا أي ليس هذا ربي والوجه الاحتجاج عليهم يقول هذا ربي يزعمكم فلما غاب قال لو كان إلها لما غاب كما قال (ذق إنك أنت العزيز الكريم) أي عند نفسك وبزعمك وكما أخبر عن موسى أنه قال (وانظر إلى إلهل الذي ظلت عليه عاكفا لنحرقنه) يريد إلهك بزعمك والوجه الرابع فيه إضمار وتقديره يقولون هذا
(١١٠)