تفسير البغوي - البغوي - ج ١ - الصفحة ١٠١
فقال أحدهما لصاحبه مثل القول الأول وقال صاحبه مثله فصلبا معها فمسخت شهابا قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه والكلبي والسدي إنها قالت لهما لن تدركاني حتى تخبراني بالذي تصعدان به إلى السماء فقالا باسم الله الأكبر قالت فما أنتما بمدركي حتى تعلمانيه فقال أحدهما لصاحبه علمها فقال إني أخاف الله قال الآخر فأين رحمة الله تعالى فعلماها ذلك فتكلمت به وصعدت إلى السماء فمسخها الله كوكبا وذهب بعضهم إلى أنها هي الزهرة بعينها وأنكر الآخرون هذا وقالوا إن الزهرة من الكواكب السبعة السيارة التي أقسم الله بها فقال (فلا أقسم بالخنس الجوار الكنس) والتي فتنت هاروت وماروت امرأة كانت تسمى الزهرة لجمالها فلما بغت مسخها الله تعالى شهابا قالوا فلما أمسى هاروت وماروت بعدما قارفا الذنب هما بالصعود إلى السماء فلم تطاوعهما أجنحتهما فعلما ما حل بهما فقصدا إدريس النبي عليه السلام فأخبراه بأمرهما وسألاه أن يشفع لهما إلى الله عز وجل قالا له إنا رأيناك يصعد لك من العبادات مثل ما يصعد لجميع أهل الأرض فاستشفع لنا إلى ربك ففعل ذلك إدريس عليه السلام فخيرهما الله بين عذاب الدنيا وعذاب الآخرة فاختارا عذاب الدنيا إذ علما أنه ينقطع فهما ببابل يعذبان واختلفوا في كيفية عذابهما فقال عبد الله بن مسعود هما معلقان بشعورهما إلى قيام الساعة وقال عطاء بن أبي رباح رؤسهما مصوبة تحت أجنحتهما وقال قتادة كبلا من أقدامهما إلى أصول أفخاذهما وقال مجاهد جعلا في جب مليء نارا وقال عمر بن سعد منكوسان يضربان بسياط الحديد وروي أن رجلا قصد هاروت وماروت لتعلم السحر فوجدهما معلقين بأرجلهما مزرقة أعينهما مسودة جلودهما ليس بين ألسنتهما وبين الماء إلا أربع أصابع وهما يعذبان بالعطش فلما رأى ذلك هاله مكانهما فقال لا إله إلا الله فلما سمعا كلامه قالا له من أنت قال رجل من الناس قالا من أي أمة قال من أمة محمد صلى الله عليه وسلم قالا أو قد بعث محمد صلى الله عليه وسلم قال نعم قالا الحمد لله وأظهر الاستبشار فقال الرجل وبم استبشاركما قالا إنه نبي الساعة وقد دنا انقضاء عذابنا (وما يعلمان من أحد) أي أحدا و (من) صلة (حتى) ينصحاه أولا (يقولا إنما نحن فتنة) ابتلاء ومحنة (فلا تكفر) أي لا تتعلم السحر فتعمل به فتكفر وأصل الفتنة الاختبار والامتحان من قولهم فتنة الذهب والفضة إذا أذبتهما بالنار ليتميز الجيد من الرديء وإنما وحد الفتنة وهما اثنان لأن الفتنة مصدر والمصادر لا تثنى ولا تجمع وقيل إنهما يقولان إنما نحن فتنة فلا تكفر سبع مرات قال عطاء والسدي فإن أبى إلا التعلم قالا له إئت هذا الرماد فبل عليه فيخرج منه نور ساطع في السماء فذلك نور المعرفة وينزل شيء أسود شبه الدخان حتى يدخل مسامعه وذلك غضب
(١٠١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 96 97 98 99 100 101 102 103 104 105 106 ... » »»