تفسير البغوي - البغوي - ج ١ - الصفحة ٩٩
ودفنه تحت كرسيه وقال لا أسمع أحدا يقول إن الشيطان يعلم الغيب إلا ضربت عنقه فلما مات سليمان وذهب العلماء الذين كانوا يعرفون أمر سليمان ودفنه الكتب وخلف من بعدهم خلف تمثل الشيطان على صورة إنسان فأتى نفرا من بني إسرائيل فقال هل أدلكم على كنز لا تأكلونه أبدا قالوا نعم قال فاحفروا تحت الكرسي وذهب معهم فأراهم المكان وقام ناحية فقالوا ادن قال لا ولكن ههنا فإن لم تجدوه فاقتلوني وذلك أنه لم يكن أحد من الشياطين يدنو من الكرسي إلا احترق فحفروا وأخرجوا تلك الكتب قال الشيطان إن سليمان كان يضبط الجن والإنس والشياطين والطير بهذا ثم طار الشيطان وفشا في الناس أن سليمان كان ساحرا وأخذ بنو إسرائيل تلك الكتب فلذلك أكثر ما يوجد السحر في اليهود فلما جاء محمد صلى الله عليه وسلم برأ الله تعالى سليمان من ذلك وأنزل في عذر سليمان (وما كفر سليمان) بالسحر وقيل لم يكن سليمان كافرا يسحر ويعمل به (ولكن الشياطين كفروا) قرأ ابن عباس رضي الله عنه والكسائي وحمزة ولكن خفيفة النون والشياطين رفع وقرأ الآخرون ولكن مشددة النون والشياطين نصب وكذلك (ولكن اللهه قتلهم) (ولكن الله رمى) ومعنى لكن نفي الخبر الماضي وإثبات المستقبل (يعلمون الناس السحر) قيل معنى السحر العلم والحذق بالشيء قال الله تعالى (وقالوا يا أيها الساحر ادع لنا ربك) أي العالم والصحيح أن السحر عبارة عن التمويه والتخييل والسحر وجوده حقيقة عند أهل السنة وعليه أكثر الأمم ولكن العمل به كفر حكي عن الشافعي رضي الله عنه أنه قال السحر يخيل ويمرض وقد يقتل حتى أوجب القصاص على من قتل به فهو من عمل الشيطان يتلقاه الساحر منه بتعليمه إياه فإذا تلقاه منه بتعليمه إياه استعمله في غيره وقيل إنه يؤثر في قلب الأعيان فيجعل الآدمي على صورة الحمار ويجعل الحمار على صورة الكلب والأصح أن ذلك تخييل قال الله تعالى (يخيل إليه من سحرهم أنها تسعى) لكنه يؤثر في الأبدان بالأمراض والموت والجنون وللكلام تأثير في الطباع والنفوس وقد يسمع الإنسان ما يكره فيحمى ويغضب وربما يحم منه وقد مات قوم بكلام سمعوه فهو بمنزلة العوارض والعلل التي تؤثر في الأبدان قوله عز وجل (وما أنزل على الملكين ببابل) أي ويعلمون الذي أنزل على الملكين أي إلهاما وعلما فالإنزال بمعنى الإلهام والتعليم وقيل واتبعوا ما أنزل على الملكين وقرأ ابن عباس والحسن الملكين بكسر اللام وقال ابن عباس هما رجلان ساحران كانا ببابل وقال الحسن علجان لأن الملائكة لا يعلمون السحر وبابل هي بابل العراق سميت بابل لتبلبل الألسنة بها عند سقوط صرح نمرود أي تفرقها قال ابن مسعود بابل أرض الكوفة وقيل جبل دماوند والقراءة المعروفة (على الملكين) بالفتح فإن قيل كيف يجوز تعليم السحر من الملائكة قيل له تأويلان أحدهما أنهما لا يتعمدان التعليم لكن يصفان السحر ويذكران بطلانه ويأمران باجتنابه
(٩٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 94 95 96 97 98 99 100 101 102 103 104 ... » »»