والتعليم بمعنى الإعلام فالشقي يترك نصيحتهما ويتعلم السحر من صنعتهما والتأويل الثاني هو الأصح أن الله تعالى امتحن الناس بالملكين في ذلك الوقت فمن شقي يتعلم السحر منهما فيكفر به ومن سعد يتركه فيبقى على الإيمان ويزداد المعلمان بالتعليم عذابا ففيه ابتلاء للمعلم والمتعلم ولله أن يمتحن عباده بما شاء فله الأمر والحكم قوله عز وجل (هاروت وماروت) هما اسمان سريانيان وهما في محل الخفض على تفسير الملكين إلا أنهما نصبا لعجمتهما ومعرفتهما وكانت قصتهما على ما ذكر ابن عباس والمفسرون أن الملائكة رأوا ما يصعد إلى السماء من أعمال بني آدم الخبيثة في زمن إدريس عليه السلام فعيروهم وقالوا هؤلاء الذين جعلتهم في الأرض خليفة واخترتهم فهم يصعونك فقال الله تعالى لو أنزلتكم إلى الأرض وركبت فيكم ما ركبت فيهم لارتكبتم مثل ما ارتكبوا فقالوا سبحانك ما كان ينبغي لنا أن نعصيك قال الله تعالى فاختاروا ملكين من خياركم أهبطهما إلى الأرض فاختاروا هاروت وماروت وكانا من أصلح الملائكة وأعبدهم وقال الكلبي قال الله تعالى لهم اختاروا ثلاثة فاختاروا عزائيل وهو هاروت وعزايا وهو ماروت غيرا اسمهما لما قارفا الذنب فركب الله فيهم الشهوة وأهبطهم إلى الأرض وأمرهم أن يحكموا بين الناس بالحق ونهاهم عن الشرك والقتل بغير الحق والزنا وشرب الخمر فأما عزائيل فإنه لما وقعت الشهوة في قلبهه استقبل ربه وسألهه أن يرفعه إلى السماء فأقاله فسجد أربعين سنة لم يرفع رأسه ولم يزل بعد مطاطئا رأسه حياء من الله تعالى وأما الآخران فإنهما ثبتا على ذلك وكانا يقضيان بين الناس يومهما فإذا أمسيا ذكرا اسم الله الأعظم وصعدا به إلى السماء قال قتادة فما مر عليما شهر حتى افتتنا قالوا جميعا وذلك أنه اختصم إليهما ذات يوم الزهرة وكانت من أجمل النساء قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه وكانت من أهل فارس وكانت ملكة في بلدها فلما رأياها أخذت بقلوبهما فراوداها عن نفسها فأبت وانصرفت ثم عادت في اليوم الثاني ففعلا مثل ذلك فأبت وقالت لا إلا أن تعبدا ما أعبد وتصليا لهذا الصنم وتقتلا النفس وتشربا الخمر فقالا لا سبيل إلى هذه الأشياء فإن الله تعالى قد نهانا عنها فانصرفت ثم عادت في اليوم الثالث ومعها قدح من خمر وفي أنفسهما من الميل إليها ما فيها فراوداها عن نفسها فعرضت عليهما ما قالت بالأمس فقالا الصلاة لغير الله عظيم وقتل النفس عظيم وأهون الثلاثة شرب الخمر فشربا الخمر فانتشيا ووقعا بالمرأة فزنيا فلما فرغا رآهما انسان فقتلاه قال الربيع بن أنس وسجدا للصنم فمسخ الله الزهرة كوكبا وقال بعضهم جاءتهما امرأة من أحسن الناس تخاصم زوجا لها فقال أحدهما للآخر هل سقط في نفسك مثل الذي سقط في نفسي قال نعم فقال وهل لك أن تقضي لها على زوجها فقال له صاحبه أما تعلم ما عند الله من العقوبة والعذاب فقال له صاحبه أما تعلم ما عند الله من العفو والرحمة فسألاها عن نفسها فقالت لا إلا أن تقضيا لي على زوجي فقضيا لها ثم سألاها نفسها فقالت لا إلا أن تقتلاه فقال أحدهما أما تعلم ما عند الله من العقوبة والعذاب فقال له صاحبه أما تعلم ما عند الله من العفو والرحمة فقتلاه ثم سألاهم نفسها فقالت لا إلا أن لنا صنما نعبده إن أنتما صليتما معي عنده فعلت
(١٠٠)