بركته، ولمعت حكمته على خاتم الرسالة، والصادع بالدلالة، الهادي للأمة، الكاشف للغمة، الناطق بالحكمة، المبعوث بالرحمة، فرفع أعلام الحق، وأحيا معالم الصدق، ودمغ الكذب ومحا آثاره، وقمع الشرك وهدم مناره، ولم يزل يعارض ببيناته المشركين حتى مهد الدين، وأبطل شبه الملحدين، صلى الله عليه صلاة لا ينتهى أمدها، ولا ينقطع مددها، وعلى آله وأصحابه الذين هداهم وطهرهم، وبصحبته خصهم وآثرهم، وسلم كثيرا.
وبعد هذا فإن علوم القرآن عزيرة، وضروبها جمة كثيرة، يقصر عنها القول وإن كان بالغا، ويتقلص عنها ذيله وإن كان سابغا، وقد سبقت لي ولله الحمد مجموعات تشتمل على أكثرها، وتنطوي على غررها، وفيها لمن رام الوقوف عليها مقنع وبلاغ، وعما عداها من جميع المصنوعات غنية وفراغ، لاشتمالها على أعظمها محققا، وتأديته إلى متأمله متسقا، غير أن الرغبات اليوم عن علوم القرآن صادفة كاذبة فيها، قد عجزت قوى الملام عن تلافيها، فآل الامر بنا إلى إفادة المبتدئين المتسترين بعلوم الكتاب، إبانة ما أنزل فيه من الأسباب، إذ هي أوفى ما يجب الوقوف عليها، وأولى ما تصرف العناية إليها، لامتناع معرفة تفسير الآية وقصد سبيلها، دون الوقوف على قصتها وبيان نزولها، ولا يحل القول في أسباب نزول الكتاب، إلا بالرواية والسماع ممن شاهدوا التنزيل، ووقفوا على الأسباب، وبحثوا عن علمها وجدوا في الطلاب، وقد ورد الشرع بالوعيد للجاهل ذي العثار في هذا العلم بالنار.
أخبرنا أبو إبراهيم إسماعيل بن إبراهيم الواعظ قال: أخبرنا أبو الحسين محمد بن أحمد ابن حامد العطار قال: حدثنا أحمد بن الحسن بن عبد الجبار قال: حدثنا ليث بن حماد قال: حدثنا أبو عوانة، عن عبد الأعلى، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (اتقوا الحديث إلا ما علمتم، فإنه من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار، ومن كذب على القرآن من غير علم فليتبوأ مقعده من النار) والسلف الماضون رحمهم الله كانوا من أبعد الغاية احترازا عن القول في نزول الآية.
أخبرنا أبو نصر أحمد بن عبد الله المخلدي قال: أخبرنا أبو عمرو بن نجيد قال: