أحكام القرآن - الجصاص - ج ٣ - الصفحة ٥٨٦
مستقبل "، وهو قول الثوري. وقال مالك والأوزاعي والليث والشافعي: " إن أسلم الزوج قبل أن تحيض ثلاث حيض فقد وقعت الفرقة "، ولا فرق عند الشافعي بين دار الحرب وبين دار الاسلام، لا حكم للدار عنده.
قال أبو بكر: روى قتادة عن سعيد بن المسيب عن علي قال: " إذا أسلمت اليهودية والنصرانية قبل زوجها فهو أحق بها ما داموا في دار الهجرة ". وروى الشيباني عن السفاح بن مطر عن داود بن كردوس قال: " كان رجل من بني تغلب نصراني عنده امرأة من بني تميم نصرانية فأسلمت المرأة وأبى الزوج أن يسلم، ففرق عمر بينهما ". وروى ليث عن عطاء وطاوس ومجاهد في النصراني تسلم امرأته قالوا: " إن أسلم معها فهي امرأته وإن لم يسلم فرق بينهما ". وروى قتادة عن مجاهد قال: " إذا أسلم وهي في عدتها فهي امرأته، وإن لم يسلم فرق بينهما "، وروى حجاج عن عطاء مثله، وعن الحسن وابن المسيب مثله. وقال إبراهيم: " إن أبى أن يسلم فرق بينهما ". وروى عباد بن العوام عن خالد بن عكرمة عن ابن عباس قال: " إذا أسلمت النصرانية قبل زوجها فهي أملك لنفسها ".
قال أبو بكر: حصل اختلاف السلف في ذلك على ثلاثة أنحاء، فقال علي رضي الله عنه: " هو أحق بها ما داموا في دار الهجرة "، وهذا معناه عندنا إذا كانا في دار واحدة، ومتى اختلفت بهما الدار فصار أحدهما في دار الحرب والآخر في دار الاسلام بانت. وقال عمر رضي الله عنه: " إذا أسلمت وأبى الزوج الاسلام فرق بينهما "، وهذا أيضا على أنهما في دار الاسلام. وقال آخرون ممن ذكرنا قوله: " هي امرأته ما دامت في العدة فإذا انقضت العدة وقعت الفرقة "، وقال ابن عباس: " تقع الفرقة بإسلامها ". واتفق فقهاء الأمصار على أنها لا تبين منه بإسلامها إذا كانا في دار واحدة.
واختلفوا في وقت وقوع الفرقة إذا أسلمت ولم يسلم الزوج، فقال أصحابنا: " إن كانا ذميين لم تقع الفرقة حتى يعرض الاسلام عليه، فإن أسلم وإلا فرق بينهما "، وهو معنى ما روي عن علي وعمر، وقالوا: " إن كانا حربيين في دار الحرب فأسلمت فهي امرأته ما لم تحض ثلاث حيض، فإذا حاضت ثلاث حيض قبل أن يسلم فرق بينهما ".
ويجوز أن يكون من روي عنه من السلف اعتبار الحيض إنما أرادوا به الحربيين في دار الحرب. وقال أصحابنا: " إذا أسلم أحد الحربيين وخرج إلينا أيهما كان وبقي الآخر في دار الحرب فقد وقعت الفرقة باختلاف الدارين ". وقد ذكرنا وجوه دلائل الآية على صحة هذا القول. ومن الدليل على ذلك قوله: (و المحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم) [النساء: 24]، قال أبو سعيد الخدري: " نزلت في سبايا أوطاس كان لهن
(٥٨٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 581 582 583 584 585 586 587 588 589 590 591 ... » »»