أحكام القرآن - الجصاص - ج ٣ - الصفحة ٥٨٩
زوجها مثل الذي ذهب منه ". وروى سعيد عن قتادة مثله، وزاد: " يعطى من جميع الغنيمة ثم يقسمون غنيمتهم ". وقال ابن إسحاق عن الزهري، قال: " إن فات أحدكم أهله إلى الكفار ولم يأت من الكفار من تأخذون منه مثل ما أخذ منكم فعوضوهم من فيء إن أصبتموه ". وجائز أن تكون هذه الرواية عن الزهري غير مخالفة لما قدمنا من أنهم يعوضون من صداق إن وجب عليهم رده إلى الكفار، وأنه إنما يجب رده من صداق وجب للكفار إذا كان هناك صداق قد وجب رده عليهم، وإذا لم يكن صداق رد عليهم من الغنيمة. وهذه الأحكام في رد المهر وأخذه من الكفار تعويض الزوج من الغنيمة أو من صداق قد وجب رده على أهل الحرب منسوخ عند جماعة أهل العلم غير ثابت الحكم إلا شيئا روي عن عطاء، فإن عبد الرزاق روى عن ابن جريج قال: قلت لعطاء: أرأيت لو أن امرأة من أهل الشرك جاءت المسلمين فأسلمت أيعوض زوجها منها شيئا لقوله تعالى في الممتحنة: (وآتوهم ما أنفقوا)؟ قال: إنما كان ذلك بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين أهل عهده، قلت: فجاءت امرأة الآن من أهل عهد؟ قال: نعم، يعاض. فهذا مذهب عطاء في ذلك وهو خلاف الاجماع.
فإن قيل: ليس في القرآن ولا في السنة ما يوجب نسخ هذه الأحكام، فمن أين وجب نسخها؟ قيل له: يجوز أن يكون منسوخا بقوله تعالى: (لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم) [النساء: 29]، وبقول النبي صلى الله عليه وسلم: " لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيبة من نفسه ".
وقوله تعالى: (ولا يأتين ببهتان يفترينه بين أيديهن وأرجلهن). قال ابن عباس:
" لا يلحقن بأزواجهن غير أولادهم ". وقيل: إنه قد دخل فيه قذف أهل الإحصان والكذب على الناس وقذفهم بالباطل وما ليس فيهم وسائر ضروب الكذب، وظاهر الآية يقتضي جميع ذلك.
وقوله تعالى ولا يعصينك في معروف روى معمر عن ثابت عن أنس قال أخذ النبي صلى الله عليه وسلم على النساء حين بايعهن أن لا ينحن. فقلن: يا رسول الله إن نساء أسعدننا في الجاهلية فنسعدهن في الاسلام؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " لا إسعاد في الاسلام ولا شغار في الاسلام ولا جلب في الاسلام ولا جنب في الاسلام ومن انتهب فليس منا ". وروي عن شهر بن حوشب عن أم سلمة عن النبي صلى الله عليه وسلم: (ولا يعصينك في معروف) قال: " النوح ".
وروى هشام عن حفصة عن أم عطية قالت: أخذ علينا في البيعة أن لا ننوح، وهو قوله تعالى: (ولا يعصينك في معروف). وروى عطاء عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " نهيت عن صوتين أحمقين: صوت لعب ولهو ومزامير شيطان عند نغمة، وصوت عند مصيبة خمش
(٥٨٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 584 585 586 587 588 589 590 591 592 593 594 ... » »»