أزواج في الشرك وأباحهن لهم بالسبي ". وروي عن سعيد بن جبير عن ابن عباس في قوله: (والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم) [النساء: 24] قال: " كل ذات زوج فإتيانها زنا إلا ما سبيت ". وقال النبي صلى الله عليه وسلم في السبايا: " لا توطأ حامل حتى تضع ولا حائل حتى تستبرأ بحيضة ". واتفق الفقهاء على جواز وطء المسبية بعد الاستبراء وإن كان لها زوج في دار الحرب إذا لم يسب زوجها معها، فلا يخلو وقوع الفرقة من أن يتعلق بإسلامها أو باختلاف الدارين على الحد الذي بينا أو بحدوث الملك عليها، وقد اتفق الجميع على أن إسلامها لا يوجب الفرقة في الحال، وثبت أيضا أن حدوث الملك لا يرفع النكاح بدلالة أن الأمة التي لها زوج إذا بيعت لم تقع الفرقة، وكذلك إذا مات رجل عن أمة لها زوج ليكن انتقال الملك إلى الوارث رافعا للنكاح، فلم يبق وجه لإيقاع الفرقة إلا اختلاف الدارين.
فإن قيل: اختلاف الدارين لا يوجب الفرقة، لأن المسلم إذا دخل دار الحرب بأمان لم يبطل نكاح امرأته، وكذلك لو دخل حربي إلينا بأمان لم تقع الفرقة بينه وبين زوجته، وكذلك لو أسلم الزوجان في دار الحرب ثم خرج أحدهما إلى دار الاسلام لم تقع الفرقة، فسلمنا أنه لا تأثير لاختلاف الدارين في إيجاب الفرقة. قيل له: ليس معنى اختلاف الدارين ما ذهبت إليه، وإنما معناه أن يكون أحدهما من أهل دار الاسلام إما بالإسلام أو بالذمة والآخر من أهل دار الحرب فيكون حربيا كافرا، فأما إذا كانا مسلمين فهما من أهل دار واحدة وإن كان أحدهما مقيما في دار الحرب والآخر في دار الاسلام.
فإن احتج المخالف لنا بما روى يونس عن محمد بن إسحاق عن داود بن الحصين عن عكرمة عن ابن عباس قال: " رد النبي صلى الله عليه وسلم ابنته زينب على أبي العاص بن الربيع بالنكاح الأول بعد ست سنين "، وقد كانت زينب هاجرت إلى المدينة وبقي زوجها بمكة مشركا ثم ردها عليه بالنكاح الأول، وهذا يدل على أنه لا تأثير لاختلاف الدارين في إيقاع الفرقة. فيقال: لا يصح الاحتجاج به للمخالف من وجوه، أحدها: أنه قال: " ردها بعد ست سنين بالنكاح الأول " لأنه لا خلاف بين الفقهاء أنها لا ترد إليه بالعقد الأول بعد انقضاء ثلاث حيض، ومعلوم أنه ليس في العادة أنها لا تحيض ثلاث في ست سنين، فسقط احتجاج المخالف به من هذا الوجه. ووجه آخر: وهو ما روى خالد عن عكرمة عن ابن عباس في اليهودية تسلم قبل زوجها أنها أملك لنفسها، فكان من مذهبه أن الفرقة قد وقعت بإسلامها، وغير جائز أن يخالف النبي صلى الله عليه وسلم فيما قد رواه عنه. والوجه الثالث: أن عمرو بن شعيب روى عن أبيه عن جده: " أن النبي صلى الله عليه وسلم رد ابنته زينب على أبي العاص بنكاح ثان " فهذا يعارض حديث داود بن الحصين، وهو مع ذلك أولى لأن حديث