ومن سورة الممتحنة بسم الله الرحمن الرحيم قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة)، روي أنها نزلت في حاطب بن أبي بلتعة حين كتب إلى كفار قريش يتنصح لهم فيه، فأطلع الله نبيه على ذلك، فدعاه النبي صلى الله عليه وسلم فقال: " أنت كتبت هذا الكتاب؟ " قال:
نعم، قال: " وما حملك على ذلك؟ " قال: أما والله ما ارتبت في الله منذ أسلمت ولكني كنت امرءا غريبا في قريش وكان لي بمكة مال وبنون فأردت أن أدفع بذلك عنهم، فقال عمر: ائذن لي يا رسول الله فأضرب عنقه! فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " مهلا يا ابن الخطاب إنه قد شهد بدرا وما يدريك لعل الله قد اطلع على أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم فإني غافر لكم ". حدثنا بذلك عبد الله بن محمد قال: حدثنا الحسن بن أبي الربيع قال: أخبرنا عبد الرزاق قال: أخبرنا معمر عن الزهري في قوله: " يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء) عن عروة بن الزبير بمعنى ما قدمنا.
قال أبو بكر: ظاهر ما فعله حاطب لا يوجب الردة، وذلك لأنه ظن أن ذلك جائز له ليدفع به عن ولده وماله كما يدفع عن نفسه بمثله عند التقية ويستبيح إظهار كلمة الكفر، ومثل هذا الظن إذا صدر عنه الكتاب الذي كتبه فإنه لا يوجب الإكفار، ولو كان ذلك يوجب الإكفار لاستبابه النبي صلى الله عليه وسلم، فلما لم يستتبه وصدقه على ما قال علم أنه ما كان مرتدا، وإنما قال عمر ائذن لي فأضرب عنقه لأنه ظن أنه فعله عن غير تأويل.
فإن قيل: قد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه إنما منع عمر من قتله لأنه شهد بدرا، وقال: " ما يدريك لعل الله قد اطلع على أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم " فجعل العلة المانعة من قتله كونه من أهل بدر. قيل له: ليس كما ظننت، لأن كونه من أهل بدر لا يمنع أن يكون كافرا مستحقا للنار إذا كفر، وإنما معناه: ما يدريك لعل الله قد علم أن أهل بدر وإن أذنبوا لا يموتون إلا على التوبة، ومن علم الله منه وجود التوبة إذا أمهله فغير جائز أن يأمر بقتله أو يفعل ما يقتطعه به عن التوبة، فيجوز أن يكون مراده أن في