بما علمنا) [يوسف: 81] يعنون العلم الظاهر، لأنه لم يكن سرق في الحقيقة، ألا ترى إلى قوله: (وما كنا للغيب حافظين) [يوسف: 81]؟ وإنما حكموا عليه بالسرقة من جهة الظاهر لما وجدوا الصواع في رحله، وهو مثل شهادة الشهود الذين ظاهرهم العدالة قد تعبدنا الله بالحكم بها من طريق الظاهر وحمل شهادتهما على الصحة، وكذلك قبول أخبار الآحاد عن النبي صلى الله عليه وسلم من هذا الطريق. وقد ألزمنا الله بهذه الآية قبول قول من أظهر لنا الإيمان والحكم بصحة ما أخبر به عن نفسه فيما بيننا وبينه، وهذا أصل في تصديق كل من أخبر عما لا يطلع عليه غيره من حاله، مثل المرأة إذا أخبرت عن حيضها وطهرها وحبلها، ومثل الرجل يقول لامرأته: " أنت طالق إذا حضت " أو قال: " إذا طهرت " فيكون قولها مقبولا فيه. وقال عطاء بن أبي رباح، وتلا هذه الآية: (إذا جاءكم المؤمنات) فقال عطاء: ما علمنا إيمانهن إلا بما ظهر من قولهن، وقال قتادة: امتحانهن ما خرجن إلا للدين والرغبة في الاسلام وحب الله تعالى ورسوله.
باب وقوع الفرقة باختلاف الدارين قال الله تعالى: (فإن علمتموهن مؤمنات فلا ترجعوهن إلى الكفار لا هن حل لهم ولا هم يحلون لهن) الآية. قال أبو بكر: في هذه الآية ضروب من الدلالة على وقوع الفرقة باختلاف الدارين بين الزوجين، واختلاف الدارين أن يكون أحد الزوجين من أهل دار الحرب والآخر من أهل دار الاسلام، وذلك لأن المهاجرة إلى دار الاسلام قد صارت من أهل دار الاسلام وزوجها باق على كفره من أهل دار الحرب، فقد اختلفت بهما الداران وحكم الله بوقوع الفرقة بينهما بقوله: (فلا ترجعوهن إلى الكفار)، ولو كانت الزوجية باقية لكان الزوج أولى بها بأن تكون معه حيث أراد. ويدل عليه أيضا قوله:
(لا هن حل لهم ولا هم يحلون لهن)، وقوله: (وآتوهم ما أنفقوا) يدل عليه أيضا، لأنه أمر برد مهرها على الزوج، ولو كانت الزوجية باقية لما استحق الزوج رد المهر لأنه لا يجوز أن يستحق البضع وبدله. ويدل عليه قوله: (ولا جناح عليكم أن تنكحوهن إذا آتيتموهن أجورهن) ولو كان النكاح الأول باقيا لما جاز لها أن تتزوج. ويدل عليه قوله:
(و لا تمسكوا بعصم الكوافر)، والعصمة المنع، فنهانا أن نمتنع من تزويجها لأجل زوجها الحربي.
واختلف أهل العلم في الحربية تخرج إلينا مسلمة، فقال أبو حنيفة في الحربية تخرج إلينا مسلمة ولها زوج كافر في دار الحرب: " قد وقعت الفرقة فيما بينهم ولا عدة عليها ". وقال أبو يوسف ومحمد: " عليها العدة، وإن أسلم الزوج لم تحل له إلا بنكاح