وذلك لأنه معلوم أن الإكراه ينافي الرضا، وما وقع عن طوع ورضا فغير مكره عليه، فلما كانت الحال شاهدة بوجوب الرضا منه بالفعل دل ذلك على أنه لم يفعله مكرها، ودلالة الحال على ما وصفنا أنه معلوم أن حال الإكراه هي حال خوف وتلف النفس والانتشار والشهوة ينافيهما الخوف والوجل، فلما وجد منه الانتشار والشهوة في هذه الحال علم أنه فعله غير مكره لأنه لو كان مكرها خائفا لما كان منه انتشار ولا غلبته الشهوة، وفي ذلك دليل على أن فعله ذلك لم يقع على وجه الإكراه فوجب الحد.
فإن قيل: إن وجود الانتشار لا ينافي ترك الفعل، فعلمنا حين فعل مع ظهور الإكراه أنه فعله مكرها كشرب الخمر والقذف ونحوه. قيل له: هذا لعمري هكذا، ولكنه لما كان في العادة أن الخوف على النفس ينافي الانتشار دل ذلك على أنه فعله طائعا، ألا ترى أن من أكره على الكفر فأقر أنه فعله طائعا كان كافرا مع وجود الإكراه في الظاهر؟ كذلك الحال الشاهدة بالتطوع هي بمنزلة الإقرار منه بذلك فيحد.
باب صفة الضرب في الزنا قال الله تعالى: (ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله) روي عن الحسن وعطاء ومجاهد وأبي مجلز قالوا: " في تعطيل الحدود لا في شدة الضرب ". وروى ابن أبي مليكة عن عبيد الله بن عمر: أن جارية لابن عمر زنت فضرب رجليها، وأحسبه قال: وظهرها، قال: فقلت لا تأخذكم بهما رأفة في دين الله! قال: يا بني ورأيتني أخذتني بها رأفة؟ إن الله تعالى لم يأمرني أن أقتلها ولا أن أجعل جلدها في رأسها وقد أوجعت حيث ضربت. وروي عن سعيد بن جبير وإبراهيم والشعبي قالوا: " في الضرب ".
واختلف الفقهاء في شدة الضرب في الحدود، فقال أصحابنا وأبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد وزفر: " التعزير أشد الضرب، وضرب الزنا أشد من ضرب الشارب، وضرب الشارب أشد من ضرب القاذف ". وقال مالك والليث: " الضرب في الحدود كلها سواء غير مبرح بين الضربين ". وقال الثوري: " ضرب الزنا أشد من ضرب القذف، وضرب القذف أشد من ضرب الشرب ". وقال الحسن بن صالح: " ضرب الزنا أشد من ضرب الشرب والقذف ". وروي عن عطاء قال: " حد الزنية أشد من حد الفرية وحد الفرية والخمر واحد ". وعن الحسن قال: " ضرب الزنا أشد من القذف والقذف أشد من الشرب وضرب الشرب أشد من ضرب التعزير ". وروي عن علي أنه ضرب رجلا قاعدا وعليه كساء قسطلاني.