باب ما يضرب من أعضاء المحدود قال الله سبحانه وتعالى: (فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة) ولم يذكر ما يضرب منه، وظاهره يقتضي جواز ضرب جميع الأعضاء. وقد اختلف السلف وفقهاء الأمصار فيه، فروى ابن أبي ليلى عن عدي بن ثابت عن المهاجر بن عميرة عن علي رضي الله عنه أنه أتي برجل سكران أو في حد، فقال: " اضرب وأعط كل عضو حقه واتق الوجه والمذاكير ". وروى سفيان بن عيينة عن أبي عامر عن عدي بن ثابت عن مهاجر بن عميرة عن علي رضي الله عنه أنه قال: " اجتنب رأسه ومذاكيره واعط كل عضو حقه "، فذكر في هذا الحديث الرأس وفي الحديث الأول الوجه، وجائز أن يكون قد استثناهما جميعا. وروي عن عمر أنه أمر بالضرب في حد فقال: " أعط كل عضو حقه " ولم يستثن شيئا. وروى المسعودي عن القاسم قال: أتى أبو بكر برجل انتفى من ابنه، فقال أبو بكر: " اضرب الرأس فإن الشيطان في الرأس ". وقد روي عن عمر: " أنه ضرب صبيغ بن عسيل على رأسه حين سأل عن الذاريات ذروا على وجه التعنت ". وروي عن ابن عمر أنه لا يصيب الرأس. وقال أبو حنيفة ومحمد: " يضرب في الحدود الأعضاء كلها إلا الفرج والرأس والوجه ". وقال أبو يوسف: " يضرب الرأس أيضا ". وذكر الطحاوي عن أحمد بن أبي عمران عن أصحاب أبي يوسف: " أن الذي يضرب به الرأس من الحد سوط واحد ". وقال مالك: " لا يضرب إلا في الظهر ". وذكر ابن سماعة عن محمد في التعزير أنه يضرب الظهر بغير خلاف وفي الحدود يضرب الأعضاء إلا ما ذكرنا. وقال الحسن بن صالح: " يضرب في الحد والتعزير الأعضاء كلها ولا يضرب الوجه ولا المذاكير ". وقال الشافعي: " يتقى الوجه والفرج ".
قال أبو بكر: اتفق الجميع على ترك ضرب الوجه والفرج وروي عن علي استثناء الرأس أيضا، وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " إذا ضرب أحدكم فليتق الوجه "، وإذا لم يضرب الوجه فالرأس مثله لأن الشين الذي يلحق الرأس بتأثير الضرب كالذي يلحق الوجه، وإنما أمر باجتناب الوجه لهذه العلة ولئلا يلحقه أثر يشينه أكثر مما هو مستحق بالفعل الموجب للحد. والدليل على أن ما يلحق الرأس من ذلك هو كما يلحق الوجه أن الموضحة، وسائر الشجاج حكمها في الرأس والوجه سواء وفارقا سائر البدن من هذا الوجه، لأن الموضحة فيما سوى الرأس والوجه إنما تجب فيه حكومة ولا يجب فيها أرش الموضحة الواقعة في الرأس والوجه، فوجب من أجل ذلك استواء حكم الرأس والوجه في اجتناب ضربهما. ووجه آخر وهو أنه ممنوع من ضرب الوجه لما يخاف فيه