أحكام القرآن - الجصاص - ج ٣ - الصفحة ٣٣٦
جلد، ولو كان الجلد حدا مع الرجم لجلده النبي صلى الله عليه وسلم، ولو جلده لنقل كما نقل الرجم، إذ ليس أحدهما بأولى بالنقل من الآخر. وكذلك في قصة الغامدية حين أقرت بالزنا فرجمها رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد أن وضعت ولم يذكر جلدا، ولو كانت جلدت لنقل. وفي حديث الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن ابن عباس قال: قال عمر: " قد خشيت أن يطول بالناس زمان حتى يقول قائل لا نجد الرجم في كتاب الله فيضلوا بترك فريضة أنزلها الله، وقد قرأنا: الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة، ورجم رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجمنا بعده "، فأخبر أن الذي فرضه الله هو الرجم وأن النبي صلى الله عليه وسلم رجم، ولو كان الجلد واجبا مع الرجم لذكره.
واحتج من جمع بينهما بحديث عبادة الذي قدمناه وقوله: " الثيب بالثيب الجلد والرجم "، وبما روى ابن جريج عن أبي الزبير عن جابر: " أن رجلا زنى بامرأة فأمر به النبي صلى الله عليه وسلم فجلد، ثم أخبر أنه قد كان أحصن فأمر به فرجم "، وبما روي: " أن عليا جلد شراحة الهمدانية ثم رجمها وقال: جلدتها بكتاب الله ورجمتها بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ".
فأما حديث عبادة فإنا قد علمنا أنه وارد عقيب كون حد الزانيين الحبس والأذى ناسخا له واسطة بينهما بقوله صلى الله عليه وسلم: " خذوا عني قد جعل الله لهن سبيلا " ثم كان رجم ماعز والغامدية وقوله: " واغد يا أنيس على امرأة هذا فإن اعترفت فارجمها " بعد حديث عبادة، فلو كان ما ذكر في حديث عبادة من الجمع بين الجلد والرجم ثابتا لاستعمله النبي صلى الله عليه وسلم في هذه الوجوه. وأما حديث جابر فجائز أن يكون جلده بعض الحد لأنه لم يعلم بإحصانه، ثم لما ثبت إحصانه رجمه، وكذلك قول أصحابنا. ويحتمل حديث علي رضي الله عنه في جلده شراحة ثم رجمها أن يكون على هذا الوجه.
واختلف الفقهاء في الذميين هل يحدان إذا زنيا؟ فقال أصحابنا والشافعي:
" يحدان " إلا أنهما لا يرجمان عندنا وعند الشافعي يرجمان إذا كانا محصنين، وقد بينا ذلك فيما سلف، وقال مالك: " لا يحد الذميان إذا زنيا ". قال أبو بكر: وظاهر قوله تعالى: (الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة) يوجب الحد على الذميين، ويدل عليه حديث زيد بن خالد وأبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم: " إذا زنت أمة أحدكم فليجلدها " وقوله صلى الله عليه وسلم: " أقيموا الحدود على ما ملكت أيمانكم "، ولم يفرق بين الذمي والمسلم. وأيضا فإن النبي صلى الله عليه وسلم رجم اليهوديين، فلا يخلو ذلك من أن يكون بحكم التوراة أو حكما مبتدأ من النبي صلى الله عليه وسلم، فإن كان رجمهما بحكم التوراة فقد صار شريعة للنبي صلى الله عليه وسلم لأن ما كان من شرائع الأنبياء المتقدمين مبقى إلى وقت النبي صلى الله عليه وسلم فهو شريعة لنبينا صلى الله عليه وسلم ما لم ينسخ، وإن كان رجمهما على أنه حكم مبتدأ من النبي صلى الله عليه وسلم فهو ثابت إذ لم يرد ما
(٣٣٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 331 332 333 334 335 336 337 338 339 340 341 ... » »»