أحكام القرآن - الجصاص - ج ٣ - الصفحة ٣٣٤
والشافعي: " ينفى الزاني "، وقال الأوزاعي: " ولا تنفى المرأة " وقال الشافعي: " ينفى العبد نصف سنة ".
والدليل على أن نفي البكر الزاني ليس بحد أن قوله تعالى: (الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة) يوجب أن يكون هذا هو الحد المستحق بالزنا وأنه كمال الحد، فلو جعلنا النفي حدا معه لكان الجلد بعض الحد وفي ذلك إيجاب نسخ الآية، فثبت أن النفي إنما هو تعزير وليس بحد. ومن جهة أخرى أن الزيادة في النص غير جائزة إلا بمثل ما يجوز به النسخ، وأيضا لو كان النفي حدا مع الجلد لكان من النبي صلى الله عليه وسلم عند تلاوته توقيف للصحابة عليه لئلا يعتقدوا عند سماع التلاوة أن الجلد هو جميع حده، ولو كان كذلك لكان وروده في وزن ورود نقل الآية، فلما لم يكن خبر النفي بهذه المنزلة بل كان وروده من طريق الآحاد ثبت أنه ليس بحد. وقد روي عن عمر أنه غرب ربيعة بن أمية بن خلف في الخمر إلى خيبر فلحق بهرقل، فقال عمر: " لا أغرب بعدها أحدا " ولم يستثن الزنا. وروي عن علي أنه قال في البكرين إذا زنيا: " يجلدان ولا ينفيان وإن نفيهما من الفتنة ". وروى عبيد الله عن نافع عن ابن عمر: " أن أمة له زنت، فجلدها ولم ينفها ".
وقال إبراهيم النخعي: " كفى بالنفي فتنة ". فلو كان النفي ثابتا مع الجلد على أنهما حد الزاني لما خفى على كبراء الصحابة، ويدل على ذلك ما روى أبو هريرة وشبل وزيد بن خالد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في الأمة: " إذا زنت فليجلدها، فإن زنت فاجلدوها، ثم إن زنت فاجلدوها، ثم بيعوها ولو بضفير ". وقد حوى هذا الخبر الدلالة من وجهين على صحة قولنا، أحدهما: أنه لو كان النفي ثابتا لذكره مع الجلد، والثاني: أن الله تعالى قال: (فإن أتين بفاحشة فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب) [النساء: 25]، فإذا كان جلد الأمة نصف حد الحرة وأخبر صلى الله عليه وسلم في حدها بالجلد دون النفي دل ذلك على أن حد الحرة هو الجلد ولا نفي فيه.
فإن قيل: إنما أراد بذلك التأديب دون الحد، وقد روي عن ابن عباس أن الأمة إذا زنت قبل أن تحصن أنه لا حد عليها لقوله تعالى: (فإذا أحصن فإن أتين بفاحشة فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب) [النساء: 25]. قيل له: قد روى سعيد المقبري عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " إذا زنت أمة أحدكم فليجلدها الحد ولا يثرب عليها " قال ذلك ثلاث مرات، ثم قال في الثالثة أو الرابعة: " ثم ليبعها ولو بضفير "، وقوله صلى الله عليه وسلم: " بعها ولو بضفير " يدل على أنها لا تنفى، لأنه لو وجب نفيها لما جاز بيعها، إذ لا يمكن المشتري تسلمها لأن حكمها أن تنفى.
فإن قيل: في حديث شعبة عن قتادة عن الحسن عن حطان بن عبد الله عن عبادة بن
(٣٣٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 329 330 331 332 333 334 335 336 337 338 339 ... » »»