من الجناية على البصر، وذلك موجود في الرأس لأن ضرب الرأس يظلم منه البصر وربما حدث منه الماء في العين وربما حدث منه أيضا اختلاط في عقل، فهذه الوجوه كلها تمنع ضرب الرأس. وأما اجتناب الفرج فمتفق عليه، وهو أيضا مقتل فلا يؤمن أن يحدث أكثر مما هو مستحق بالفعل. وقال أبو حنيفة وأصحابه والليث والشافعي الضرب في الحدود كلها وفي التعزير مجردا قائما غير ممدود إلا حد القذف فإنه: " الضرب وعلى ثيابه وينزع عنه الحشو والفرو ". وقال بشر بن الوليد عن أبي يوسف عن أبي حنيفة: " يضرب التعزير في إزار ولا يفرق في التعزير خاصة في الأعضاء ". وقال أبو يوسف: ضرب ابن أبي ليلى المرأة القاذفة قائمة فخطأه أبو حنيفة. وقال الثوري: " لا يجرد الرجل ولا يمد، وتضرب المرأة قاعدة والرجل قائما ".
قال أبو بكر: في حديث رجم النبي صلى الله عليه وسلم اليهوديين قال: " رأيت الرجل يحنى على المرأة يقيها الحجارة "، وهذا يدل على أن الرجل كان قائما والمرأة قاعدة. وروى عاصم الأحول عن أبي عثمان النهدي قال: أتي عمر بسوط فيه شدة فقال: أريد ألين من هذا، فأتي بسوط فيه لين فقال: أريد أشد من هذا، فأتي بسوط بين السوطين فقال: اضرب ولا يرى إبطك وأعط كل عضو حقه. وعن ابن مسعود أنه ضرب رجلا حدا، فدعا بسوط فأمر فدق بين حجرين حتى لان ثم قال: اضرب ولا تخرج إبطك وأعط كل عضو حقه.
وعن علي أنه قال للجلاد: أعط كل عضو حقه. وروى حنظلة السدوسي عن أنس بن مالك قال: " كان يؤمر بالسوط فتقطع ثمرته ثم يدق بين حجرين ثم يضرب به، وذلك في زمن عمر بن الخطاب ". وروي عن أبي هريرة أنه جلد رجلا قائما في القذف.
قال أبو بكر: هذه الأخبار تدل على معاني: منها اتفاقهم على أن ضرب الحدود بالسوط، ومنها أنه يضرب قائما إذ لا يمكن إعطاء كل عضو حقه إلا وهو قائم، ومنها أنه يضرب بسوط بين سوطين. وإنما قالوا: " أنه يضرب مجردا "، ليصل الألم إليه، ويضرب القاذف وعليه ثيابه لأن ضربه أخف. وإنما قالوا: " لا يمد "، لأن فيه زيادة في الإيلام غير مستحق بالفعل ولا هو من الحد. وروى يزيد بن هارون عن الحجاج عن الوليد بن أبي مالك: " أن أبا عبيدة بن الجراح أتي برجل في حد، فذهب الرجل ينزع قميصه وقال: ما ينبغي لجسدي هذا المذنب أن يضرب وعليه قميص! فقال أبو عبيدة: لا تدعوه ينزع قميصه! فضربه عليه ". وروى ليث عن مجاهد ومغيرة عن إبراهيم قالا: " يجلد القاذف وعليه ثيابه ". وعن الحسن قال: " إذا قذف الرجل في الشتاء لم يلبس ثياب الصيف ولكن يضرب في ثيابه التي قذف فيها، إلا أن يكون عليه فرو أو حشو يمنعه من أن يجد وجع الضرب فينزع ذلك عنه "، وقال مطرف عن الشعبي مثل ذلك. وروى شعبة عن عدي بن