الصامت قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " خذوا عني قل جعل الله لهن سبيلا: البكر بالبكر والثيب بالثيب، البكر يجلد وينفى والثيب يجلد ويرجم "، وروى الحسن عن قبيصة بن ذؤيب عن سلمة بن المحبق عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله، وحديث الزهري عن عبيد الله بن عبد الله عن أبي هريرة وزيد بن خالد: أن رجلا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إن ابني كان عسيفا على هذا فزنى بامرأته فافتديته منه بوليدة ومائة شاة، ثم أخبرني أهل العلم أن على ابني جلد مائة وتغريب عام وأن على امرأة هذا الرجم، فاقض بيننا بكتاب الله تعالى! فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " والذي نفسي بيده لأقضين بينكما بكتاب الله! أما الغنم والوليدة فرد عليك وأما ابنك فإن عليه جلد مائة وتغريب عام " ثم قال لرجل من أسلم: " اغد يا أنيس على امرأة هذا فإن اعترفت فارجمها ". قيل له: غير جائز أن تزيد في حكم الآية بأخبار الآحاد لأنه يوجب النسخ، لا سيما مع إمكان استعمالها على وجه لا يوجب النسخ، فالواجب إذا كان هكذا حمله على وجه التعزير لا أنه حد مع الجلد، فرأى النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك الوقت نفي البكر لأنهم كانوا حديثي عهد بالجاهلية فرأى ردعهم بالنفي بعد الجلد كما أمر بشق روايا الخمر وكسر الأواني لأنه أبلغ في الزجر وأحرى بقطع العادة. وأيضا فإن حديث عبادة وارد لا محالة قبل آية الجلد، وذلك لأنه قال: " خذوا عني قد جعل الله لهن سبيلا " فلو كانت الآية قد نزلت قبل ذلك لكان السبيل مجعولا قبل ذلك ولما كان الحكم مأخوذا عنه بل عن الآية، فثبت بذلك أن آية الجلد إنه ما نزلت بعد ذلك وليس فيها ذكر النفي، فوجب أن يكون ناسخا لما في حديث عبادة من النفي إن كان النفي حدا.
ومما يدل على أن النفي على وجه التعزير وليس بحد أن الحدود معلومة المقادير والنهايات ولذلك سميت حدودا لا تجوز الزيادة عليها ولا النقصان منها، فلما لم يذكر النبي صلى الله عليه وسلم للنفي مكانا معلوما ولا مقدارا من المسافة والبعد علمنا أنه ليس بحد وأنه موكول إلى اجتهاد الإمام، كالتعزير لما لم يكن له مقدار معلوم كان تقديره موكولا إلى رأي الإمام، ولو كان ذلك حدا لذكر النبي صلى الله عليه وسلم مسافة الموضع الذي ينفى إليه كما ذكر توقيت السنة لمدة النفي.
وأما الجمع بين الجلد والرجم للمحصن فإن فقهاء الأمصار متفقون على أن المحصن يرجم ويجلد، والدليل على صحة ذلك حديث أبي هريرة وزيد بن خالد في قصة العسيف وأن أبا الزاني قال: سألت رجلا من أهل العلم فقالوا على امرأة هذا الرجم، فلم يقل النبي صلى الله عليه وسلم بل عليها الرجم والجلد، وقال لأنيس: " اغد على امرأة هذا فإن اعترفت فارجمها " ولم يذكر جلدا، ولو وجب الجلد مع الرجم لذكره له كما ذكر الرجم. وقد وردت قصة ماعز من جهات مختلفة ولم يذكر في شيء منها مع الرجم