ومن سورة النور بسم الله الرحمن الرحيم قال الله تعالى: (الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة). قال أبو بكر: لم يختلف السلف في أن حد الزانيين في أول الاسلام ما قال الله تعالى: (واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم فاستشهدوا عليهن أربعة منكم) [النساء: 15] إلى قوله:
(واللذان يأتيانها منكم فآذوهما) [النساء: 16]، فكان حد المرأة الحبس والأذى بالتعبير، وكان حد الرجل التعبير، ثم نسخ ذلك عن غير المحصن بقوله تعالى: (الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة)، ونسخ عن المحصن بالرجم، وذلك لأن في حديث عبادة بن الصامت عن النبي صلى الله عليه وسلم: " خذوا عني قد جعل الله لهن سبيلا البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام والثيب بالثيب الجلد والرجم "، فكان ذلك عقيب الحبس والأذى المذكورين في قوله: (واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم) [النساء: 15] إلى قوله: (أو يجعل الله لهن سبيلا) [النساء: 25]، وذلك لتنبيه النبي صلى الله عليه وسلم إيانا على أن ما ذكره من ذلك هو السبيل المراد بالآية، ومعلوم أنه لم تكن بينهما واسطة حكم آخر، لأنه لو كان كذلك لكان السبيل المجعول لهن متقدما لقوله صلى الله عليه وسلم بحديث عبادة أن المراد بالسبيل هو ما ذكره دون غيره، وإذا كان كذلك كان الأذى والحبس منسوخين عن غير المحصن بالآية وعن المحصن بالسنة وهو الرجم.
واختلف أهل العلم في حد المحصن وغير المحصن في الزنا، فقال أبو حنيفة وأبو يوسف وزفر ومحمد: " يرجم المحصن ولا يجلد ويجلد غير المحصن، وليس نفيه بحد وإنما هو موكول إلى رأي الإمام إن رأى نفيه للدعارة فعل كما يجوز حبسه حتى يحدث توبة ". وقال ابن أبي ليلى ومالك والأوزاعي والثوري والحسن بن صالح: " لا يجتمع الجلد والرجم " مثل قول أصحابنا، واختلفوا في النفي بعد الجلد، فقال ابن أبي ليلى:
" ينفى البكر بعد الجلد "، وقال مالك: " ينفى الرجل ولا تنفى المرأة ولا العبد، ومن نفى حبس في الموضع الذي ينفى إليه "، وقال الثوري والأوزاعي والحسن بن صالح