أحكام القرآن - الجصاص - ج ٣ - الصفحة ٣٣٧
يوجب نسخه. والصحيح عندنا أنه رجمهما على أنه شريعة مبتدأة من النبي صلى الله عليه وسلم لا على تبقية حكم التوراة، والدليل عليه أن حد الزانيين في أول الاسلام كان الحبس والأذى المحصن وغير المحصن فيه سواء، فدل ذلك على أن الرجم الذي أوجبه الله في التوراة قد كان منسوخا.
فإن قيل: فإن النبي صلى الله عليه وسلم رجم اليهوديين وأنت لا ترجمهما فقد خالفت الخبر الذي احتججت له في إثبات حد الزنا على الذميين! قيل له: استدلالنا من خبر رجم اليهوديين على ما ذكرنا صحيح، وذلك لأنه لما ثبت أنه رجمهما صح أنهما في حكم المسلمين في إيجاب الحدود عليهما، وإنما رجمهما النبي صلى الله عليه وسلم لأنه لم يكن من شرط الرجم الإحصان، فلما شرط الإحصان فيه وقال النبي صلى الله عليه وسلم: " من أشرك بالله فليس بمحصن " صار حدهما الجلد.
فإن قيل: إنما رجم النبي صلى الله عليه وسلم اليهوديين من قبل أنه لم تكن لليهوديين ذمة وتحاكموا إليه. قيل له: لو لم يكن الحد واجبا عليهم لما أقامه النبي صلى الله عليه وسلم عليهما، ومع ذلك فدلالته قائمة على ما ذكرنا لأنه إذا كان من لا ذمة له قد حده النبي صلى الله عليه وسلم في الزنا فمن له ذمة وتجري عليه أحكام المسلمين أحرى بذلك. ويدل عليه أنهم لا يختلفون أن الذمي يقطع في السرقة، فكذلك في الزنا، إذ كان فعلا لا يقر عليه، فوجب أن يزجر عنه بالحد كما وجب زجر المسلم به، وليس هو كالمسلم في شرب الخمر لأنهم مقرون على التخلية بينهم وبين شربها، وليسوا مقرين على السرقة ولا على الزنا.
واختلف فيمن أكره على الزنا، فقال أبو حنيفة: " إن أكرهه غير سلطان حد، وإن أكرهه سلطان لم يحد ". وقال أبو يوسف ومحمد: " لا يحد في الوجهين جميعا "، وهو قول الحسن بن صالح والشافعي. وقال زفر: " إن أكرهه سلطان حد أيضا ". وأما المكرهة فلا تحد في قولهم جميعا. فأما إيجاب الحد عليه في حال الإكراه فإن أبا حنيفة قال: " القياس أن يحد سواء أكرهه سلطان أو غيره، ولكنه ترك القياس في إكراه السلطان ". ويحتمل قوله: " في إكراه السلطان " معنيين،: أحدهما أن يريد به الخليفة، فإن كان قد أراد هذا فإنما أسقط الحد لأنه قد فسق وانعزل عن الخلافة بإكراهه إياه على الزنا فلم يبق هناك من يقيم الحد عليه، والحد إنما يقيمه السلطان فإذا لم يكن هناك سلطان لم يقم الحد، كمن زنى في دار الحرب. ويحتمل أن يريد به من دون الخليفة، فإن كان أراد ذلك فوجهه أن السلطان مأمور بالتوصل إلى درء الحد، فإذا أكرهه على الزنا فإنما أراد التوصل إلى إيجابه، فلا تجوز له إقامته إذا لأنه بإكراهه أراد التوصل إلى إيجابه فلا يجوز له ذلك ويسقط الحد. وأما إذا أكرهه غير سلطان فإن الحد واجب،
(٣٣٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 332 333 334 335 336 337 338 339 340 341 342 ... » »»