فلما اتفق الجميع على أنه يسقط بمضي أيام النحر دل على أنه غير واجب، إن كانت سائر الحقوق الواجبة في الأموال نحو الزكاة وصدقة الفطر والعشر ونحوها لا يسقطها مضي الأوقات.
قوله تعالى: (وجاهدوا في الله حق جهاده) إلى قوله: (ملة أبيكم إبراهيم)، قيل: معناه جاهدوا في الله حق جهاده واتبعوا ملة أبيكم إبراهيم، ولذلك نصب. وقال بعضهم: نصب لأنه أراد كملة أبيكم، إلا أنه لما حذف الجار اتصل الاسم بالفعل فنصب. قال أبو بكر: وفي هذه الآية دلالة على أن علينا اتباع شريعة إبراهيم إلا ما ثبت نسخه على لسان نبينا صلى الله عليه وسلم. وقيل: إنه إنما قال ملة أبيكم إبراهيم لأنها داخلة في ملة نبينا صلى الله عليه وسلم، وإن كان المعنى أنه كملة أبيكم إبراهيم، فإنه يعني أن الجهاد في الله حق جهاده كملة أبيكم إبراهيم عليه السلام لأنه جاهد في الله حق جهاده. وقال ابن عباس:
(وجاهدوا في الله حق جهاده): " جاهدوا المشركين "، وروي عن ابن عباس أيضا:
" لا تخافوا في الله لومة لائم، وهو الجهاد في الله حق جهاده ". وقال الضحاك: " يعني اعملوا بالحق لله عز وجل ".
قوله تعالى: (وما جعل عليكم في الدين من حرج)، قال ابن عباس: " من ضيق ". وكذلك قال مجاهد. ويحتج به في كل ما اختلف فيه من الحوادث أن ما أدى إلى الضيق فهو منفي وما أوجب التوسعة فهو أولى، وقد قيل: (وما جعل عليكم في الدين من حرج) أنه من ضيق لا مخرج منه، وذلك لأن منه ما يتخلص منه بالتوبة ومنه ما ترد به المظلمة، فليس في دين الاسلام ما لا سبيل إلى الخلاص من عقوبته.
وقوله: (ملة أبيكم إبراهيم) الخطاب لجميع المسلمين، وليس كلهم راجعا بنسبه إلى أولاد إبراهيم، فروي عن الحسن أنه أراد أن حرمة إبراهيم على المسلمين كحرمة الوالد على الولد كما قال تعالى: (وأزواجه أمهاتكم) [الأحزاب: 6]، وفي بعض القراءات: " وهو أب لهم ".
قوله تعالى: (هو سماكم المسلمين من قبل)، قال ابن عباس ومجاهد: " يعني أن الله سماكم المسلمين "، وقيل إن إبراهيم سماكم المسلمين لقوله تعالى حاكيا عن إبراهيم: (ومن ذريتنا أمة مسلمة لك) [البقرة: 128].
وقوله تعالى: (من قبل وفي هذا)، قال مجاهد: " من قبل القرآن وفي القرآن ".
وقوله تعالى: (هو اجتباكم) يدل على أنهم عدول مرضيون، وفي ذلك بطلان طعن الطاعنين عليهم إذ كان الله لا يجتبي إلا أهل طاعته واتباع مرضاته، وفي ذلك مدح للصحابة المخاطبين بذلك ودليل على طهارتهم.